- صاحب المنشور: أسيل الدرقاوي
ملخص النقاش:
في أعقاب الأزمة الصحية العالمية التي خلفتها جائحة كوفيد-19، شهد العالم تغييرات جذرية أثرت على توازن القوى الاقتصادية والجيوسياسية. هذه التغييرات تشمل تحولاً نحو المزيد من الاعتماد الذاتي والاستقلالية الاقتصادية بين الدول الكبرى. الصين، رغم تحدياتها الداخلية المتعلقة بالجائحة، عززت مكانتها كمورد رئيسي للأدوية والأجهزة الطبية، مما دفع العديد من البلدان إلى تقليص اعتمادها على الواردات الأمريكية. الولايات المتحدة، من جهتها، واجهت مشاكل داخلية بسبب إدارة الجائحة وتأثير ذلك على اقتصاداتها ومكانتها الدولية.
روسيا وإيران استغلتا الوضع لتعزيز نفوذهما الإقليمي، خاصة عبر زيادة دعمهما للجماعات الشيعية والإسلامية الأخرى في الشرق الأوسط. بينما كانت أوروبا متضررة بشدة من الناحية الاقتصادية بسبب الجائحة، حافظ الاتحاد الأوروبي على وحدته وتعامل مع الأزمة بأسلوب تعاوني ملحوظ. اليابان وكوريا الجنوبية وقّعتا اتفاقيات تجارية جديدة تعكس رغبتهما المشتركة في بناء نظام عالمي أكثر مرونة واستقلالية.
أما الهند، فتطورت لتكون لاعباً اقتصادياً وثقافياً مهماً في جنوب آسيا وأفريقيا، حيث تقدم المساعدات الطبية والمواد الغذائية للمساعدة في تخفيف حدة الفقر والتبعية للأسواق الآسيوية الغربية. وفي الوقت نفسه، قامت تركيا بمناورة دبلوماسية محكمة لاستعادة علاقاتها مع روسيا والخليج العربي، مستفيدة من موقعها الاستراتيجي بين أوروبا وآسيا.
من ناحية أخرى، انخفض الدور البريطاني نسبياً بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي ("بريكست") الذي حدث خلال ذروة الأزمة الصحية. الأمر الذي زاد من الضغط الداخلي والدوري عليها. ولكن هذا لم يمنع لندن من الحفاظ على دور قوي في الملفات الأمنية والعسكرية الدولية.
بشكل عام، يبدو أن العصر الجديد يشهد إعادة توزيع للقوى الاقتصادية والسياسية، بعيداً عن النظام العالمي السابق الذي كان مقرراً لهيئة دول مثل أمريكا أو الاتحاد الأوروبي أو الصين. وبالتالي فإن المستقبل سيحتضن تنافساً أكبر وأكثر تعقيداً بين اللاعبين الرئيسيين حول النفوذ والثراء والقوة العظمى الجديدة للعصر الحالي وما يتبعها من تغيرات جيوسياسية واقتصادية ستشكل وجه الأرض كما نعرفها اليوم.