ها هنا قصة غرام أندلسية، أدعوكم إلى قراءتها مرتين: مرة كما دوّنها ابن حزم في «طوق الحمامة»، ومرة كما حكاها لتلميذه الحميدي، ثم بعد أن تفرغوا أريد أن تتأملوا أوجه الاختلاف بين الروايتين، وماذا يحدث للخبر حين يُحكى شفاهًا أو يُدوّن كتابة، وهل يكشف ذلك شيئًا عن أغوار النفس البشرية؟ https://t.co/8AJYsutauF
قرأتم القصة في التغريدة السابقة بقلم ابن حزم، وتقرأونها هنا بقلم الحميدي بعد أن سمعها من أستاذه، وقد يقول قائل إنّ كلا الروايتين انتهت مدوّنة، لذا لا معنى للفحص الذي نحن بصدده، وهذا صحيح، لولا أنّ المراد بفحصنا ابن حزم، وكيف تغيّرت بنية الخبر حين دوّنه مرّة ورواه مرّة. https://t.co/PZt1t6tx1y
تتفق الروايتان على الخطوط العامة للحكاية وهي أنّ شاعرًا قرطبيًا يُدعى أبا عمر يوسف بن هارون الرمادي التقى بعد انصرافه من صلاة الجمعة بامرأة ملكت عليه قلبه، وكان لقاؤهما في الرَّبض حيث مدافن بني مروان، ثم حين أرادت الانصراف سألها عن هويّتها فادّعت أنّها أمة مملوكة وأنّ اسمها خلوة.
تتفقان أيضًا على أنّ الشاعر ذكر خلوة في شعره، وأنّه سافر من أجلها إلى سرقسطة يمدح صاحبها كي يتحصّل ما يبتاعها به، ثم يطوي ابن حزم نهاية الحكاية عن قارئه، بينما يكشفها للحميدي تلميذه، فإذا بالشاعر يلقى خلوة عند أحد إخوانه بالصدفة، وإذا بها حرّة لا مملوكة، وإذا هي أخت هذا الصديق.
لكنّ وجوه الاختلاف لا تنحصر على النهاية المطوية، بل تتجاوز إلى ما هو أجلّ خطرًا. فمثلًا نقرأ في الطوق أنّ الشاعر لقي خلوة عند باب العطارين ثم تحوّل عن طريقه المؤدية غربًا ولحقها جنوبًا حتى جاوزا القنطرة إلى الرَّبَض، بينما نقرأ في الجذوة أنّه لقيها وهو يتفرّج في نواحي الرَّبَض.