- صاحب المنشور: شيماء بن لمو
ملخص النقاش:
---
تشكل السياسات المالية أحد الأركان الأساسية للإدارة الحكومية والتنمية الاقتصادية. وفي حين تعمل العديد من البلدان على تطوير وتنفيذ سياساتها المالية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو الشامل والمستدام، تواجه بعض الدول العربية تحديات فريدة تمنع تحقيق هذه الأهداف. يهدف هذا التحليل المقارن إلى استكشاف التحديات التي تعترض سبيل تنفيذ السياسات المالية ناجحة في المنطقة العربية، مع التركيز على العوامل الهيكلية، المؤسسية، والثقافية التي تساهم في عدم الفعالية أو الفشل المحتمل لهذه الجهود. سننظر أيضًا في الدروس المستفادة والدعم الدولي المتاح لمعالجة تلك التحديات وتحسين فعالية صنع السياسات المالية العربية.
عوامل هيكلية وعقبات مؤسسية
تتفاوت البنية السياسية للمؤسسات المالية بين الدول العربية بدرجات كبيرة. ويُعدّ الافتقار إلى شفافية البيانات والبيانات المفتوحة مشكلة مستمرة تؤثر على تصميم السياسات القائمة على الأدلة. كما يعاني الإطار القانوني والأخلاقي من ضعف التنفيذ مما يؤدي إلى فساد محتمل وممارسات غير عادلة بين القطاعين العام والخاص. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يتضح محدودية القدرات التقنية والفنية لدى موظفي وزارة المالية، والتي قد تشمل نقص الخبرة في مجال المحاسبة والإشراف المصرفي وإعداد الموازنة وغيرها من الوظائف الحيوية. وقد تعيق هذه القضايا قدرة وكالات السياسة المالية على تقديم حلول مبتكرة لمواجهة الصدمات الخارجية مثل جائحة كوفيد-19 وأزمات الطاقة العالمية الأخيرة.
التدخل السياسي والتأثير الثقافي
إن الانخراط الواسع لشخصيات سياسية بارزة واتجاهات شعبية يمكن أن يحجب اتخاذ قرارات حاسمة بشأن السياسة المالية. إن وجود مصالح خاصة قوية داخل الحكومة وخارجها يدفع نحو تأجيل الإصلاحات الضرورية لصالح المكاسب قصيرة المدى. علاوة على ذلك، فإن التأثيرات الثقافية تلعب دورًا مهمًا حيث تُظهر المجتمعات تفاوتًا واسعًا فيما يتعلق بمقبوليتها تجاه فرض ضرائب أكثر شمولاً وإعادة توجيه الإنفاق لاستكمال الأولويات الاجتماعية والاقتصادية الملحة. ولذلك، ينبغي مراعاة هذه الاعتبارات عند وضع خطط للتمويل والإنفاق العامة حتى تكون لها فرص أكبر للتطبيق والحفاظ عليهما.
دروس عالمية واستراتيجية دعم دولي
من خلال تحليل التجارب الدولية، يمكن للدول العربية تحديد أفضل الممارسات والاستفادة من خبرات الآخرين الذين واجهوا مواقف مشابهة. مثلاً، تستطيع تونس والسعودية التعلم من تجارب فنلندا والنرويج والنظام الضريبي الخاص بهما الذي يسمح لهما بتجميع إيراداتهما بشكل جيد بينما توفر خدمات عامة عالية الجودة لسكانهما. وبالمثل، تقدم ماليزيا نموذجاً رائداً لما يُطلق عليه "التخطيط الاقتصادي الإسلامي"، والذي يستغل تقنيات قائمة على الشريعة الإسلامية لتوجيه عملية القرار بشأن السياسة المالية. ويعني هذا النهج زيادة مشاركة الجمهور وتعزيز العدالة الاجتماعية وفوائد الاستثمار الاجتماعي طويلة المدى.
بالإضافة إلى تبادل المعرفة والممارسات المثلى، يجدر بالدول العربية البحث عن مساعدة فنية وتمويل مباشر من جهات مانحة دولية ومنظمات متخصصة بالأمم المتحدة. ويمكن للأجهزة الوطنية المسئولة عن التخطيط المالي الاستفادة من المشورة المقدمة لمساعدتها على بناء القدرة الداخلية وتحديد مجالات محددة تحتاج إلى اهتمام خاص. ومن ناحية أخرى، توفر الاتفاقات ثنائية ومتعدد الأطراف فرصة للحصول على منح وقروض حسنة الصيت لفترة سماح طويلة تساعد في تمويل المشاريع ذات الجدوى المرتفعة ولكن تكلفتها مرتفعة نسبياً.
في الختام، تتطلب السياسات المالية الناجحة في العالم العربي جهودا مشتركة لبناء آليات موثوق بها لحماية حقوق المواطنين وتعظيم الفرص الاقتصادية. ويتعين عليها أيضا أن تأخذ بعين الاعتبار السياقات الخاصة لكل بلد وأن تتكامل مع البيئة الثقافية والسياسية القائمة. ولا شك بأن العمل الجماعي تحت مظلة الربط الأفقي والرأسي بين مختلف الحكومات سيضمن نجاح أي تغيير طموحي هدفه النهائي هو تحقيق الحد الأقص