- صاحب المنشور: شمس الدين الراضي
ملخص النقاش:
تعدّ حرية الرأي والتعبير إحدى أهم الحقوق التي يكفلها القانون الدولي الإنساني والمواثيق العالمية لحقوق الإنسان. فهي حق أساسي مكرس في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقيات أخرى عديدة. لكن تطبيق هذا الحق يواجه تحديات متعددة تتعلق بالتقاليد المحلية والقوانين الوطنية. فكيف يمكن تحقيق توازن بين الاحترام الكامل لحرية الفكر والقول وبين ضمان عدم إيذاء الآخرين أو المساس بالنظام العام؟
في العديد من المجتمعات التقليدية، يتم تحديد حدود حرية الرأي بناءً على القيم الثقافية والأعراف الدينية. هذه الأعراف غالبا ما تشدد على احترام كبار السن والحفاظ على الهوية الجماعية للمجتمع. وفي بعض الحالات، قد تعتبر انتقاد السلطة السياسية أو الدينية تجاوزًا للحدود المتعارف عليها. وهذا التوجه ليس مقصورًا على الشرق الأوسط فقط بل هو ظاهرة عالمية تمتد عبر مناطق مختلفة حول العالم حيث تلعب العادات والمعتقدات دورًا مؤثرًا في تفسير وتقييد حرية الأشخاص في قول ما يشعرون به بحرية كاملة.
ومن جهة أخرى، تؤكد الدول ذات النظام القانوني الحديث على مبدأ "الحرية تحت المسؤولية"، مما يعني أن الأفراد يحق لهم التعبير عن آرائهم ولكن ضمن نطاق قانوني واضح يمنع التحريض على العنف والكراهية والدعوة إلى التمييز العنصري وغير ذلك مما يتعارض مع الأخلاق العامة والنظام الاجتماعي. وقد وضعت الكثير من البلدان قوانين خصوصية صارمة تحظر نشر معلومات شخصية عن أشخاص آخرين بدون موافقتهم الصريحة بهدف حماية الخصوصية الشخصية.
إن محاولة الجمع بين هذين النهجين ليست سهلة دائمًا. فعلى سبيل المثال، إذا اختلف مجتمع تقليدي بشأن قضية حساسة مثل حقوق المرأة أو المثلية الجنسية، فقد يؤدي التحدث ضد تلك الاتجاهات إلى رد فعل قوي وربما عنيف من قبل أفراد المجتمع الذين ينتمون إليها ويعتقدون أنها جزء أصيل من ثقافتهم. بينما ترى الحكومات المعاصرة ضرورة احترام الحقوق الأساسية لكل شخص بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والثقافية.
وعلى الرغم من وجود خلاف مبني أساساً على الاختلافات الثقافية والفلسفية، فإن هناك طرق لتسهيل تفاهم أفضل حول موضوع حساس كالرأي والتعبير. يمكن للدولة تشجيع الحوار المفتوح وتعزيز التعليم الذي يعزز فهماً عميقاً لقيمة واحترام الآراء المختلفة كأساس لبناء مجتمع سليم ومتسامح. بالإضافة لذلك، تستطيع المنظمات الدولية تقديم الدعم اللازم للأطراف المعنية لمساعدتها على فهم وفصل بين قواعد القانون الدولي الخاصة بالحقوق والحريات وما هي الأعراف الاجتماعية المستندة للعادات والعقائد والتي يجب مراعاتها عند تطبيق مواد الاتفاقيات.
وفي النهاية، فإن مفتاح حل أي نزاع متعلق بحرمتي الرأي والتعبير تكمن في خلق بيئة تعاونية تضمن مشاركة جميع الأطياف الاجتماعية بكل حرية وأمان حتى يستطيع الجميع التعبيرعن آرائه ومواقفه دون خوف أو تهديد، شرط ألّا يمس ذلك بأحد أو بأحد مؤسسات المجتمع المدني أو الدولة نفسها. إن الضمانة الأساسية لهذا الهدف تتمثل بحرية الإعلام واستقلاله وعدالة القضاء وفعالية التشريع المبني على المواطنة المتساوية أمام القانون.