- صاحب المنشور: الشاوي المزابي
ملخص النقاش:
تُعد العلاقة بين الإسلام والعلوم الحديثة موضوعاً مثيراً ومثيراً للجدل على حد سواء. يرى بعض المسلمين أن هذه العلوم تتعارض مع تعاليم دينهم، بينما يؤمن آخرون بإمكانية تكاملها وتداخلها الفكري لتحقيق تقدم حضاري متوازن ومتسامح. هذا التحليل يستكشف كيف يمكن للإسلام والسعي العلمي أن يكونا مكملين لبعضهما البعض بدلاً من كونهم متعارضين بطبيعتهم.
التاريخ المبكر للمسلمين والعلم
بدأت الحضارة الإسلامية فترة ذهبية هائلة خلال القرن الثامن حتى الثالث عشر الميلادي، حيث اشتهرت بتعزيزها البحث العلمي والابتكار في مجالات مثل الرياضيات والفلك والطب والكيمياء والميكانيكا. فقد شهد ذلك الوقت ظهور علماء بارزين أمثال الخوارزمي وابن الهيثم وجابر بن حيان الذين حققوا إنجازات علمية كبيرة أثرت العالم الغربي لاحقا. ففي مجال الفلك، طور المسلمون تقنيات جديدة لحساب المواقع الدقيقة للأجرام السماوية باستخدام الجداول الفلكية وأدوات الرصد المتطورة حينذاك. وفي المجال الطبي، قدم ابن زهر (أو ابن رشد) نظريات طبية مبتكرة أدّى بعضها إلى تطوير العمليات الجراحية وقوانين الصرف الصحي العامة التي كانت موجودة قبل وقت طويل مما عرف عنها في أوروبا. كما برع أيضًا في الكيمياء والفيزياء وصناعة الأدوات الزجاجية المعقدة المستخدمة حاليا بكثرة في التجارب المعملية. وعلى نفس المنوال، ترك لنا أشهر عالم رياضيات وهو محمد بن موسى الخوارزمي خوارزميات حسابية لاتزال مستخدمة حتى يومنا الحالي ضمن البرمجيات الحديثة ويتحدث باسمها "الخوارزمية". ويستند الأمر إلى رواية مؤرخي العصور الوسطى حول دعوة الإمام عمر للفيلسوف اليوناني ثاوفيلوس بأن يُعلم طلاب المدينة المنورة أساسيات الهندسة والمعادلات الهندسية لإدارة موارد الدولة. وبذلك، أصبح التعليم العلمي ضرورياً لتطور مجتمع مسلم مزدهر سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وثقافياً وفكرياً كذلك. ومن ثم، تشهد أرقام تلك الحقبة الذهبية أن للعقل البشري دور فعال في بناء الأمم والشعوب وليس مُجرّد مجرد تأملات دينية خاملة وغير منتجة اجتماعياً واقتصادياً أيضاً.
فهم صحيح للقرآن الكريم والسنة المطهرة
يوضح القرآن الكريم أهمية الاستفادة من قدرات الله وطاقاته التي منحها لكل مخلوقاته لاستخدامها لأهداف نبيلة. يقول سبحانه وتعالى "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا" [البقرة/29] ويعكس هذا البيان رسالة واضحة مفادها أنه ينصب التركيز على تقديم عبادات حسنة تلبي احتياجات الناس عبر توظيف معرفتنا المكتسبة من دراسات علوم الحياة المختلفة لتكوين جوٍ آمن ومزدهر للإنسانية جمعاء استنادًا لما يحقق صلاح الدنيا والدين معا وفق رؤية شاملة تتوافق مع مقاصد الشريعة الإسلامية عموما والتي تحث دائمًا على تحقيق المصالح والحفاظ عليها وإزالة المفاسد قدر المستطاع حسب منظور الفقهاء والقانونيين المختصين.
وبالنظر للسنة النبوية الشريفة، نلاحظ التشديدعلى عدم الانغماس بالأوهام والخرافات أو تضليل عامة الناس بسبب تصديق الأقاويل بدون دليل قاطع مصداق قوله صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى." فالجهل والإقصاء العلمي ليس وجهتي نظر مطلوبتين لمن يريد بلوغ مرتبة عاليه تدعم اعتقاداته وتحافظ على هويته الثقافية المحلية وسط عصر تكنولوجي حديث يتطلب مراعاة القواعد الأخلاقية المرتبطة بحرية الاختيار الشخصي أولًا وآخِرًا.
وفي النهاية فإن الإطار العام لهذه المقارنة يكمن فيما إذا كان هناك توافق منطقي بين منهجيْ تفكير مختلفين تمام الاختلاف ممن لديهم خلفيات ثقافية واجتماعية متنوعة لكن يشتركون جميعاهم بوحدة العقيدة الواحدة ذات الأفكار الأساسية المشابهة جدًا. فعلى الرغم اختلاف الأسلوب والاستراتيجيات المستخدمة منذ القدم إلا أنها ستظل