الإسلام والبيئة: التوازن بين الرفاهية البشرية والحفاظ على الكوكب

تُظهر تعاليم الإسلام اهتماماً عميقاً بحفظ البيئة والاستدامة؛ فهي ليست مجرد دين سماوي يشجع على العبادات والأخلاق الحميدة فحسب، بل هي أيضاً نظام شامل لل

  • صاحب المنشور: الهيتمي القفصي

    ملخص النقاش:
    تُظهر تعاليم الإسلام اهتماماً عميقاً بحفظ البيئة والاستدامة؛ فهي ليست مجرد دين سماوي يشجع على العبادات والأخلاق الحميدة فحسب، بل هي أيضاً نظام شامل للحياة يضع أساسيات لحماية الطبيعة ورعايتها. إن الشعور بالمسؤولية تجاه الكوكب الذي نعيش عليه ليس جديدًا في الإسلام، حيث يدعو القرآن الكريم إلى احترام الأرض والعناية بها كأمانة ستعود يوم القيامة. يقول الله تعالى في كتابه العزيز: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" [الذاريات:٥٦]، لكن هذا الآية تشمل أيضًا ضمنياً مسؤوليتنا نحو خلق الله الآخر: النباتات، الحيوانات والموارد الطبيعية.

في الحديث الشريف، يُذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلم قوله بأن "كل شيء فيه روح"، مما يؤكد أهمية التعاطف مع كافة مخلوقات الله. هذه التأكيدات تبرز ضرورة الحفاظ على النظام البيئي المتوازن الذي خلقَه الله سبحانه وتعالى. وفي ذلك، يأتي دور الإنسان كمستلم للأمانة العالمية التي أمر بها الله لعباده جميعا، أي حفظ البيئة واستخدامها بطريقة مستدامة بدون استنزاف أو إفراط. فعلى سبيل المثال، يحظر الإسلام قطع الأشجار بلا سبب مشروع، ويحث المسلمين على الزراعة والتجدد المستمر للموارد الطبيعية.

بالإضافة لذلك، يعزز الإسلام مفاهيم الاقتصاد الأخضر والصديق للبيئة من خلال التشديد على عدم الإسراف أو الهدر. فقد حذر الرسول الأعظم -صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم- من الإسراف قائلا: «إنما يهلك أهل الجاهلية بالإسراف». وهذه العبارة تؤكد أيضا أهمية الاعتدال وعدم النفاد عند استخدام الثروات الطبيعية. وبالتالي، فإن الدين الاسلامي يعمل كمنظومة متكاملة تدعم جهود الحفاظ على البيئة وتشجيع الاستهلاك المسؤول.

ومن الجدير ذكره هنا أنه رغم وجود بعض الأدوات العملية لإدارة موارد البيئة، مثل الضوابط القانونية وحدود الاستغلال، فإن القاعدة الأساسية تأتي من داخل الفرد نفسه ملتزمًا بتعاليم دينه. يمكن اعتبار تقليل الانبعاثات الصناعية وممارسات التصنيع الخضراء أمثلة حالية على تطبيق مباديء البيئية الإسلامية الحديثة. كما أكدت معظم المؤسسات الدينية الإسلامية حول العالم على ربط مقاصد الشرع بالحفاظ على بيئات نظيفة وصحة بشرية أفضل.

وعليه، فإن الإسلام لا يتعارض مع الرعاية البيئية ولا يقف خارج نطاق المحافظة عليها؛ بل إنه يدعم بشدة نهجا متوازنا يستخدم كل أشكال الموارد بعقلانية واحترام كامل للنظام البيئي العالمي المعقد. فالهدف النهائي هو تحقيق رفاهية المجتمع البشري مع الحفاظ على توازن الطبيعة، بما يلبي احتياجات الحاضر دون المساس بإمكانيات الأجيال القادمة لتلبية حاجاتها الخاصة. وهذا النهج بالتأكيد ينسجم تمام الانسجام مع فلسفة التنمية المستدامة التي تتجه إليها العديد من دول العالم اليوم.


أريج بن علية

6 مدونة المشاركات

التعليقات