- صاحب المنشور: عزيزة النجاري
ملخص النقاش:
في عصر العولمة والتكنولوجيا المتسارعة، أصبح العالم أكثر انفتاحاً واتساعاً. يتواصل الأفراد والثقافات المختلفة عبر الحدود الجغرافية بوتيرة غير مسبوقة، مما أدى إلى بروز نقاش حيوي حول كيفية التعامل مع هذا الانفتاح الجديد. هل سيؤدي توغل الثقافات بعضها في ثقافات أخرى إلى تكامل وتفاهم متبادل بين الأمم والشعوب، أم ستكون هناك مواجهات وصراعات بسبب الخلافات الفكرية والقيمية؟
يُعدّ مصطلح "الثقافة" واحداً من أبسط وأعمق المصطلحات المعرفة الإنسانية؛ فهو يشمل مجموعة من القواعد والأنظمة التي تحدد طريقة حياة البشر اجتماعياً وفكرياً وعاطفياً. تتعدد أشكال هذه الأنظمة وفق الاختلافات الجغرافية والتاريخية والدينية وغيرها الكثير. لذلك، عندما تلتقي ثقافتان أو أكثر، فإن ذلك قد يولد تحديات فريدة تحتاج إلى حلول مبتكرة للحفاظ على الهوية الخاصة لكل جانب مع تحقيق الاحترام المتبادل لفروقات الآخرين.
من منظور تاريخي، شهد التاريخ العديد من حالات التواصل الحضاري الناجحة مثل حضارات الشرق القديم التي تبادلت التجارب والمعارف كالآشوريين والفينيقيين والإغريق واليونانيين الذين تأثروا وتأثروا بدورهم بثقافات متعددة. كما أثرت الإسلام أيضاً بشكل عميق وكبير على أوروبا خلال فترة النهضة الأوروبية بعد سقوط القسطنطينية وانتشار العلم العربي الذي ترجموا منه علوم الطب والكيمياء الرياضيات والفلسفة وغيرها كثير. وهنا يمكن رؤية الجانب الإيجابي للتقارب الثقافي حيث يتم نقل خبرات وقدرات يصعب الحصول عليها محليًا نحو الفرد والمجتمع المحلي وبالتالي دفع عجلة تقدم الجميع.
ومع ذلك، ليس كل جلسات التقارب والحوار تسير بسلاسة دائما. فبالرغم من وجود نماذج ناجحة للتكامل الثقافي إلا أنه يوجد أيضا تجارب مضادة كالتصادم العنيف بين الغزاة والمستوطنين نوحاثا عن تغيير هوية الشعوب الأصلية بالقوة السياسية والعسكرية حتى وان تم قبولهم مجتمعيا في وقت لاحقا تحت مظلة الدولة الموحدة. وهذا مثال قاسٍ لما يحدث عندما يتم تجريد الناس ومجتمعات بأكملها من تراثهم وثقافتهم الأصيلة لصالح المنتصر - وهو أمر مدمر حقا للمجتمعات المضحية بمئات السنوات لأجل البقاء ومن ثم فقدان مرجعيتها الروحية والأخلاقية .
وعلى الرغم من ذلك، يبقى الحوار المفتوح والمثمر خيارا أساسيا لمعالجة تلك المخاطر المحتملة وضمان بقاء التعايش المشترك المبني على السلام والتفاهم. فعندما تُفتح نوافذ التواصل دون تحيز، تصبح الفرصة سانحة لإرساء جسور الثقة وتحقيق انسجام أكبر بين مختلف مجموعات البشر. إنها دعوة لتجاوز الصور النمطية والاستعداد لاستقبال وجهات نظر جديدة وعديدة تعكس واقع تعددي ومتنوع بحاجة ماسة لهذا النوع من التربية والتفهُم المتبادِل.
وفي المجمل، إن موضوع حوار الثقافات يحمل دلالات مهمة للغاية بشأن مستقبل عالم اليوم وغدا حيث تشكل العلاقات الدولية حاليًا أحد أهم محاور السياسة العالمية الحديثة المعاصرة والتي تؤثر بلا ريب مباشرة ويذكر بأن هدفها الأساسي يكمن بحماية الأمن القومي لكل بلد عضو ضمن المنظومة الدولية وإنشاء شبكة مترابطة تضمن العدالة الاجتماعية والسعي المستدام نحو الرقي بالمجتمعات نحو الافضل باستمرار.