- صاحب المنشور: عماد بن بركة
ملخص النقاش:
يتناول هذا المقال العلاقة المعقدة بين الحداثة والتراث في المجتمع الإسلامي. إن فهم هذه العلاقة ضروري لفهم كيفية توافق الثقافات الإسلامية الحديثة مع قيمها التقليدية وأصولها التاريخية. فالحداثة، التي تعرف بتبني التكنولوجيا المتطورة والمنظور العلماني للعالم، قد تعارض في نظر البعض القيم والممارسات الدينية الراسخة. لكن، هل يجب أن ننظر إلى الأمر كصراع حتمي أم يمكن تحقيقهما سوياً في تناغم؟
في العديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة، يسعى الأفراد والمجتمعات لإيجاد حلول وسط تمكنهم من الاستفادة من الابتكارات الحديثة دون المساس بهويتهم الثقافية والدينية. ويُظهر تاريخ الإسلام نفسه أنه قابل للتكيف؛ حيث اعتمدت الحضارة الإسلامية الفكر اليوناني والفارسي والسرياني سابقاً لتولد بذلك نهضة عظيمة في مجالات العلوم والأدب والفلسفة وغيرها الكثير. وبالتالي، فإن مفتاح نجاح أي جهود لدمج الحداثة بالتراث يكمن في فهْم وتقدير السياقات المختلفة لكل منهما.
مع ذلك، هناك تحديات عديدة لمن يحاول تحقيق هذا التوازن. فقد أدى توسع قيم وقوانين الغرب القائمة على المنطق التجريدي والعلمانية غالباً إلى خلق شعور بعدم الانتماء لدى الأقليات المسلمة أو المواطنين المسلمين الذين يعيشون خارج بيئتهم الأصلية. بالإضافة لذلك، قد يؤدي ظهور الحركات الجهادية والإرهابية المتشددة - والتي تدعي أنها تحافظ على النقاء الديني والثقافي - إلى تقليل الثقة العامة بالحوار والحلول الوسط المعتدلة.
وعلى الجانب المقابل، يستخدم بعض المحافظين الإسلاميين الحفاظ على التقاليد كمبرر للتماسك الاجتماعي، بينما يُعتبر الآخرون من قبل خصومهم بأنهم ضد التقدم والاستنارة. ولكن عندما يتم النظر بعقلانية ومنفتح، يتضح أنه ليس بالضروري أن تكون ثنائية مطلقة. فعندما نفهم اختلاف آراء الأشخاص حول الحداثة والتراث كنقاط بداية وليس نقاط نهاية، حينذاك تصبح المناقشة أكثر بناء وإنتاجية.
وفي النهاية، فإن المجتمعات الإسلامية اليوم بحاجة ماسة لحوار شامل وفهم متبادل فيما يتعلق بالعلاقات الديناميكية بين الحداثة والتراث. ويمكن تلخيص المهمة الأساسية كما يلي: كيف يمكن للمسلمين مواصلة استخدام عناصر تراثهم الفريد وهو يشاركون بنشاط في العالم الحديث؟ يبدو الحل الأمثل هو الجمع بين أفضل ما تقدمه الحداثة وأفضل ما يوفره التراث بطرق مبتكرة وملائمة للحياة الإسلامية. إنها مسألة ليست سهلة أبداً، لكن إذا استطعنا تعلم دروس الماضي والنظر نحو المستقبل بروح الشمولية والتفاهم المشترك، فلعلنا نحقق رؤى جديدة تؤكد مكانة كلٍّ من الحداثة والتراث ضمن نفس البنية الاجتماعية والثقافية.