- صاحب المنشور: هبة الغزواني
ملخص النقاش:
لقد أثرت الحروب عبر التاريخ على الاقتصاد العالمي بطرق متعددة ومؤثرة. فهي ليست مجرد أحداث عنيفة تختزلها خسائر الأرواح والممتلكات؛ بل لها عواقب اقتصادية بعيدة المدى قد تستمر لسنوات بعد انتهاء القتال. دعونا نستعرض بعض التأثيرات الرئيسية للحروب على النظام الاقتصادي العالمي.
أولاً، تُحدث الحروب اختلالًا كبيرًا في الإنتاج والاستهلاك المحلي والعالمي. حيث تقوم الدول بإعادة توجيه مواردها لصالح الجهد الحربي مما يؤدي إلى نقص في إنتاج السلع والبضائع المدنية وبالتالي ارتفاع الأسعار بسبب العرض والطلب غير المتكافئين. كما يمكن أن يتسبب ذلك في خفض الرخاء المعيشي للسكان وتعطيل التجارة الدولية التي تعتمد على تدفق المواد الخام والبضائع المنتجة بين البلدان المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، تجبر الحرب الكثيرين على ترك وظائفهم وأعمالهم مما يساهم في رفع معدلات البطالة والتأثير السلبي على القطاع الخاص والصناعي.
ثانيًا، تزيد الحروب من الضغوط المالية للدول المتحاربة والدول الداعمة لها. فعلى سبيل المثال، يستهلك الصراع السعودي اليمني أكثر من 8 مليارات دولار شهريا وفقا لتقرير الأمم المتحدة الصادر عام 2019. وهذا الإنفاق الكبير على التسليح والأجور وغيرها من الاحتياجات اللوجستية يؤثر بشدة على الموازنة العامة ويقلل القدرة الشرائية داخل البلاد وخارج حدودها أيضا نظرا لأن هذه الأموال كانت ستوجه لوفرة أخرى مثل التعليم، الصحة، البنية التحتية وما شابه. علاوة على هذا، تشجع الحروب على زيادة الدين العام الذي يأتي غالبا بصورة قروض خارجية بفوائد مرتفعة والتي تعيق نمو الاقتصاد الوطني وقدرته المستقبلية على التعافي والإصلاح.
وفي المقابل، تقدم فترة السلام العديد من الفرص للتعافي الاقتصادي والنماء الاجتماعي. فبعد نهاية حرب الخليج الثانية مثلا شهد العالم نهضة اقتصادية ملحوظة خاصة في دول المنطقة العربية نظرا للمساعدات الهائلة المقدمة لإعمار ما دمرته الأعمال العدائية آنذاك. وقد مهدت تلك المنح الطريق نحو تطوير بنى تحتية جديدة واستقطاب استثمارات عالمية ضخمة قادرة على خلق فرص عمل أكبر وتحسين مستوى معيشة السكان الأصليين. وفي ذات السياق تبددت مخاطر الفقر المدقع نتيجة إعادة بناء المصانع والشركات الحكومية والخاصة فضلاً عن توسيع شبكة الخدمات العامة كالرعاية الصحية والتعليم العمومي.
ختاما، يستحق موضوع آثاره الاجتماعية والاقتصادية المؤلمة دراسة مستفيضة لكشف تأرجحه المحتمل بين الخير والشر حسب وجهة نظر كل مجتمع مدني ومنظم دولي آخر. ولكن يبقى الحوار مفتوح حول ضرورة الحد من انتشار نزاعات مسلحة باستخدام كافة الوسائل السياسية والدبلوماسية المتاحة لمنع حدوث المزيد من الألم والمعاناة الإنسانية وللتركيز عوضًا عنها على تحقيق الأمن والسلم العالميين كمفتاح لحياة أفضل لكل فرد بغض النظر عن مكان وجوده جغرافيا.