- صاحب المنشور: عبد المهيمن القبائلي
ملخص النقاش:
تُعد العلاقة بين العلم والدين موضوعًا شائكًا ومثيرًا للجدل على مر التاريخ، حيث يراه البعض تناقضًا متأصلًا بينما يرى آخرون أنهما يمكنهما التكامل والتفاعل البناء. هذا الحوار المعقد يعكس تأثيرات الثقافة والمجتمع والعصور المختلفة التي يتواجد فيها المرء.
في الماضي، كان هناك اعتقاد واسع بأن العلم والدين في حالة صراع دائم؛ ففي أوروبا خلال عصر النهضة والإصلاح الديني، واجه علماء الطبيعة مثل غاليليو غاليلي والمعارضين لهم داخل الكنيسة الكاثوليكية حربًا مفتوحة حول واقع الأرض ككرة تدور حول الشمس وليس العكس كما ذكرت بعض الكتابات الدينية آنذاك. ولكن مع مرور الوقت بدأ ظهور نهج جديد أكثر قبولاً للتعددية الفكرية، وهو ما عُرف فيما بعد بنموذج "الباراديم" أو الاطار المرجعي الجديد الذي وضعته نظرية توماس كون عام ١٩٦٢ والذي يشجع على الاحترام المتبادل بين مختلف المجالات المعرفية بما فيها العلوم والدين.
وفي القرن الحالي تشهد مجتمعاتنا الإسلامية نقاشات مماثلة بشأن دور الإسلام تجاه الاكتشافات الحديثة خاصة تلك المرتبطة بالطب الوراثي الهندسة الجينية وغيرها الكثير . فقد طرح الدكتور زكي نجيب محمود فكرة "الإسلام الحر" باعتباره دعوة لتبني روح الاجتهاد المستنير غير المقيد بآراءٍ سبقت عصره بل تستند للمبادئ الأساسية لنصوص الشريعة نفسها وبالتالي تمكين المجتمع المسلم من مواجهة تحديات العصر الحديث ثقافيا وعلمانيا دون الشعور بتعارض محتمل مع تعاليم دينه.
ومن الجدير بالملاحظة هنا أيضا وجود نماذج ناجحة لحوار علماني - دينى ثري ومتطور مثل التجربة التركية تحت حكم حزب العدالة والتنمية بجناحه العلماني القوي برئاسة أحمد داوود أوغلو مثلا بالإضافة لما حققه رجال دين مسلمون بارزون كالشيخ يوسف القرضاوي عبر تقديم تفاسير تتسم بالتسامح والحكمة عند مقاربة قضايا الإرهاب والجهاد والصراع العربي الإسرائيلي وغير ذلك كثير مما يؤكد قدرة المؤسسات الدينية التقليدية ذات النفوذ الكبير داخل المجتمعات العربية والإسلامية لإبداء رؤى جديدة تواكب التحولات الاجتماعية والفكرية الحالية والتي ستكون لها انعكاساتها الواسعة مستقبلاً إن أحسن استخدامها واستثمارها لصالح تحقيق تقدم حضاري شامل لبلداننا.
ختاماً فإن فهم طبيعة علاقة العلم والدين ليست مهمة يسيرة بسبب التعقيد التاريخي لهذه المواضيع لكن تبقى المحاولة ضرورية لمستقبل أفضل للعالم بشرائعه الإنسانية المشتركة بغرض الوصول لمنظومة معرفية متكاملة تلبي احتياجات البشر كافة بدون استبعاد جانب منها مهما اختلفت أشكال التعبير عنها سواء كانت كتابية ام عملية تطبيقية يومية لدى الأفراد والأمم جمعا.