- صاحب المنشور: حسان الدين الريفي
ملخص النقاش:
تواجه المجتمعات الحديثة اليوم تحديًا ملحًا يتمثل في تحقيق توازن دقيق بين توفير رعاية صحية عالية الجودة واحتياجاتها المالية المتزايدة. هذا الموضوع يكتسب أهمية خاصة مع تطور سوق العمل المستمر وتزايد الطلب على الخدمات الطبية المتخصصة والأدوية الجديدة والمعدات الطبية المتطورة. وفي الوقت ذاته، تعاني العديد من البلدان من عجز موازنة حاد وعجز ضخم في الإنفاق العام مما يؤثر سلباً على قدرتها على الاستثمار في قطاع الصحة العامة وجني العوائد طويلة الأجل لهذه الاستثمارات. لذلك بات لازماً البحث عن حلول مبتكرة تمكن الدول والمؤسسات والشركات الخاصة من تلبية متطلباتها المالية والحفاظ أيضاً على رفاه شعبها عبر تقديم خدمات طبية ذات جودة فائقة وميسورة الثمن للجميع بلا استثناء.
تأثير تغير سوق العمل على قطاع الرعاية الصحية:
شهد القرن الحادي والعشرون تغيرات هائلة في طبيعة الأعمال وأنماط الحياة البشرية التي أثرت بشدة على القطاع الصحي. حيث أدى التحول نحو اقتصاد المعرفة والتوجه العالمي للاستفادة القصوى من تكنولوجيا المعلومات إلى ظهور وظائف جديدة تتطلب مهارات فريدة وتعليم متخصص يتجاوز التقليدية المهن الطبية مثل الطب الباطني والجراحة وغيرهما. كما عززت هذه التغيرات حاجة المؤسسات الحكومية وشركات التأمين الخاص للأطباء والمختصين ليكونوا أكثر كفاءة وأقل تكلفة لاستيعاب الإقبال الواسع المتوقع عليهم قريباً بسبب الشيخوخة السكانية وانتشار أمراض مزمنة متعددة عوامل الخطورة منها الوراثية والسلوكية والنظام الغذائي وما شابه ذلك. ومن جهة أخرى، فإن ارتفاع مستوى الدخل الفردي لدى الفئات الاجتماعية الأعلى دخلاً قد زاد الضغط على نظام الضمان الاجتماعي القائم حالياً الذي يستند بشكل كبير على الرسوم المفروضة للمستفيدين الحاليين والتي غالبا ما تكون غير قادرة بمفردها لتلبية احتياجات المرضى المحتملين حديثا ممن ينتمون لتلك الشرائح المرتفعة دخلاً. وبالتالي تصبح هناك ضرورة ماسة لإعادة النظر بالنظم القائمة واستحداث نماذج عمل جديدة تلبي الاحتياجات المحلية لكل دولة مع مراعاة ظروفها الاقتصادية واحتياجات مجتمعها الصحّي المختلفة بناء على البيانات والإحصائيات الدقيقة عنها.
دور الابتكار الطبي والفني:
يمكن للعلم والتكنولوجيا المساعدة بصورة فعالة لحل مشكلتنا الأساسية وهي القدرة الوصول لأفضل علاج بأرخص تكلفة ممكنة دون المساس بجودته وتحقيق نتائج مرضية للمرضى وذلك من خلال تطوير تقنيات تشخيص مبكر للحالات المرضية باستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور الطبية مثلا أو حتى استخدام الروبوتات الآلية المساعدة أثناء العمليات الدقيقة نوعا ما كتلك المتعلقة باستبدال مفصل الكتف أو الرباط الصليبي الأمامي إلخ...إضافة لما سبق يمكن أيضا توظيف الطاقة الشمسية كمصدر نظيف ومتجدد لإنتاج الكهرباء اللازمة لمراكز العلاج حيث تساهم تلك العملية بتخفيض نفقات التشغيل بنسبة كبيرة مقارنة باستخدام الوقود الأحفوري التقليدي النفاث له آثار ضارة بيئياً واقتصادياً أيضًا. أخيرا وليس آخرا فتح المجال أمام المنافسة التجارية بين الشركات العالمية المتخصصة بإنتاج الأدوية المنقاة بهدف زيادة عدد المنتجات المطروحة للسوق وخفض سعر البيع النهائي للدواء بعد انتهاء حق الملكية الفكرية الخاص به مما يسمح بتوفر عقاقير طبية حيوية كانت خارج نطاق الوصول الشعبي سابقا.
الاستدامة المالية للنظام الصحي الوطني:
إن تأمين موارد دائمة وكافية لنظام الرعاية الصحية يعد أمر حيوي لضبط الانفاق الحكومي وضمان توفر تمويل دائم لقطاع الصحة العام وهو ما يعني