- صاحب المنشور: رؤى البدوي
ملخص النقاش:
تُعتبر مسألة توازن الابتكار والتقليد واحدة من أهم القضايا التي تواجه الفنانين والمبدعين داخل المجتمعات الإسلامية المعاصرة اليوم. هذه المسألة ليست حديثة بل لها جذور عميقة تمتد لقرون عديدة مضت، حيث استطاع الفن الإسلامي عبر تاريخ طويل تجاوز حدود الزمان وتكيف مع البيئات المختلفة والحفاظ على هويته الفريدة.
في جوهرها، يهدف هذا النقاش إلى فهم كيفية موازنة الاحترام والتقدير للأصول الثقافية والعادات التقليدية مع الرغبة في تقديم شيء جديد ومبتكر يتماشى مع روح العصر الحديث. فالمجتمع الإسلامي الذي يتميز بتنوعه الواسع له رؤى متنوعة حول ماهية "الإبداع" وكيف ينبغي إدراجها ضمن التصاميم والمعمار والأعمال الفنية الأخرى المرتبطة بالمجتمع.
الأصول التقليدية: العمق الروحي والمعرفي
يتمتع الفن الإسلامي بتاريخ غني بالأنساق الجمالية المتفردة والتي تم تطويرها خلال قرون طويلة لتعبّر عن اعتقادات وأفكار المسلمين. عناصر مثل الزخارف الهندسية والنباتية، والأشكال المجردة المستمدة من الكلمة القرآنية، تضيف قيمة جمالية وروحية كبيرة لأي عمل فني إسلامي. إن الحفاظ على هذه الأنماط ليس مجرد تكرار بريء؛ فهو يعكس حالة من التعظيم والإكبار لهذه الإرث الغني والذي يستحق الاستمرار كجزء حي مهم من الهوية الإسلامية العالمية الحديثة.
الابتكار والاستدامة: تحديث القديم بدون نسيان الجذور
مع ذلك، فإن عدم قبول التغيير الدائم وعدم دمج الأفكار والأساليب الجديدة قد يؤدي إلى عزلة ثقافية وفنّية. وفي عالم يتسم بسرعة التحولات والتطور باستمرار، هناك حاجة ماسّة لإيجاد طرق مبتكرة تضمن بقاء الفن الإسلامي متفاعلاً ومتجدداً. وهذا يعني إعادة تصوّر الطرق القديمة وإعادة تأويلها بطريقة تعبر حقاً عن بيئة يومنا الحالي بينما تبقى صادقة تمامًا لمبادئ الدين والقيم الأخلاقية للمسلمين.
الابتكار المسؤول: ضمان احترام الأعراف المحلية والدينية
تكمن الطبيعة الصعبة لهذا الأمر فيما يتعلق بفهم الحدود المقبولة مقارنة بأخرى غير مقبولة عند اقتراح أفكار جديدة أو استخدام تقنيات مختلفة. هنا يأتي دور دوركة واضحة بشأن العناصر الأساسية التي يشعر بها مجتمع الفنون والفنانون بأنفسهم بأنها محرمة، وكذلك تلك التي تشكل جزءاً ضرورياً من أي شكل مستقل للإبداع الحر وفق منظوره الخاص. فعلى سبيل المثال، يمكن اعتبار تصوير البشر خروجًا كبيرًا جدًا عن النهج الإسلامي التقليدي ولكن ربما يُقبل رسم أشكال هندسية ذات مغزى روحي أعظم مما يثير جدلًا واسعا وسط الجماهير المؤمنة وغير المقتنعين بهذه النظرية. وبالتالي يجب وضع مفاهيم أخلاقية وقواعد دقيقة تسمح للفنانيين بالتعبير بحرية كاملة فيما يتوافق مع معتقدات شعبهم.
إن تحقيق توازن بين التقليد والابتكار ليس أمرًا سهلاً ولكنه ممكن إذا اتبع نهجا مدروسًا ومنظم جيدا بواسطة جهود جماعية مشتركة تعمل بناءً على حرص الجميع واحترامه لمبدأ احترام الآخر المختلف عنه بعيدا عن الانشغال بنظريات تفوق الذات الذاتية للغالبية منهم الباحثين دوماً عن مصالح خاصة بهم فقط! فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» [رواه البخاري]. لذلك فالالتزام بهذا الوصف والسعي نحو تفعيل العمل المشترك سيضمن حتما وجود فن إسلامي نابض بالحياة قادرٌعلى جذب انتباه العالم برمته وليس فقط محصورة بمحيط محدود داخله !