- صاحب المنشور: إسراء الأنصاري
ملخص النقاش:
تعتبر العلاقة بين المفاهيم الدينية والثقافة العلمية موضوعًا غنيًا ومثيرًا للجدل في الوقت الحاضر. عندما يتعلق الأمر بالإسلام والعلوم الحديثة، يمكن للمرء أن يواجه وجهات نظر مختلفة تتراوح بين الإثبات على وجود توافق تام بينهما إلى الادعاء بأنها متناقضة. ولكن كيف نستطيع فهم هذه العلاقة المعقدة وكيف أثرت المواقف التاريخية والمعاصرة عليها؟
تاريخيا، شهد العالم الإسلامي فترة ازدهار علمي هائلة خلال العصور الوسطى حيث برز علماء مسلمون بارزون مثل الخوارزمي وابن الهيثم وأبو الريحان البيروني الذين قدموا مساهمات كبيرة في مجالات الرياضيات والفلك وعلم الفلك وعلم الأحياء وغيرها الكثير. كانت ترجمة الأعمال اليونانية القديمة وأعمال الفلاسفة اليونانيين مثل أرسطو أمرًا حيويًا لهذا التحول نحو البحث العلمي المنظم والمراقبة التجريبية. كما شجع الدين نفسه -وفقا للتقاليد الإسلامية التقليدية- على طلب العلم والتساؤل والتفكر. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب". هذا يشير بوضوح إلى أهمية التعليم والبحث العلمي بوصفهما جزءا أساسيا من الحياة المسلمة المثالية.
مع ذلك، مع مرور الزمن وتطور المجتمعات الغربية، ظهرت بعض الأفكار التي تشير إلى تنافر محتمل بين العقيدة والشريعة وبين العلم الحديث. وقد عززت حوادث تاريخية محددة مثل محاكمة جاليليو عام 1633 وصورة نموذجية مغلوطة عن رفض المسلمين للعلم، وجهتا النظر السلبيتين حول تأثير دينهم على تقدمهم المعرفي. إلا أنه يجب التنبيه هنا بأن تعامل الكنيسة المسيحية مع قضية جاليليو لم تكن مرتبطة مباشرة بموقف روحي أو ديني بالضرورة وإنما كان لها خلفيات سياسية أكثر منها دينية مرتبطة بتأويل لتفسيرات الكتاب المقدس آنذاك والتي تم تجاوزها لاحقا تدريجيا بالتحديث والتطور الذاتي داخل المؤسسة الرومانية الكاثوليكية نفسها. أما بالنسبة للمسلمين، فقد ظل العديد منهم يساهم بنشاط كبير وغزارة في مختلف المجالات العلمية حتى القرن الثامن عشر الميلادي حين بدأ التأثر بالحضارة الأوروبية يؤدي إلى تغييرات اجتماعية واقتصادية وثقافية واسعة النطاق مما أدى بدوره إلى تغيير دور الفرد العربي والإسلامي ضمن المشهد العالمي والعلمي المتغير مع نهاية عصر النهضة الأوروبية وما بعدها وما صاحب تلك الحقبة كذلك من انحسار التدبر والاستنتاج لمنظومة التربية العربية والدينية ذاتها بإعتبار أنها مضت بصمت لفترة طويلة نسبيًا مقارنة بباقي دول العالم حينئذٍ إذ لم تكن لدى الدول الإسلامية حاجة ملحة لإعادة رسم خرائط معرفتهم الخاصة طالما ظلت علاقاتهم الجغرافية السياسية قائمة بقوة واستقرار نسبيين بالإضافة لعوامل أخرى كالتنافس الداخلي والحروب الضارية ضد الغزو المغولي والسلالات التركمانية وغيرها كثير مما جعل اهتماماتها موجهة أصلا لأمر آخر غير إنتاج مزيد من الفرسان العلميين رغم عدم نقص مواهب وإمكانيات ذلك تماما بل إنها كانت تتواجد لكن ليس بدرجة عالية كون الأولوية الأولى للشأن السياسي والأمني أثناء حالة الحرب المستدامة لقرون عدة وهو الوضع الذي تفسر فيه مرحلة تأخر الاستجابة لمساعي تحديث المناهج وطرق التعلم المبكرة والتي ربما أخذت زخاما أكبر فيما بعد قليلا ولم تتم زوال آثار الماضي بالكامل فورا بل استغرق إعادة بناء منظومات جديدة وقت أيضا قبل الوصول لما نعرفه اليوم بحركات الاصلاح الشاملة للدولة والنظام الاجتماعي عامة وليس فقط القطاعات الأك