- صاحب المنشور: نرجس الفاسي
ملخص النقاش:
في عالم اليوم المترابط بسرعة غير مسبوقة، أصبح الاهتمام بالتوازن بين فوائد العولمة والتأثير المحتمل لها على الهويات الثقافية والفردية أكثر حيوية من أي وقت مضى. إن عملية العولمة، التي تشمل التبادل الحر للمعلومات والمنتجات والأفكار عبر الحدود الوطنية، قد أنشأت مجتمعاً عالمياً متعدد الأوجه لكنها أيضاً طرحت تساؤلات حول كيفية الحفاظ على الأصالة والقيم المحلية وسط هذا الغزو الواسع للأفكار والممارسات الخارجية.
يحضرنا تاريخ الإنسانية بأنه منذ وجود المجتمع البشري نفسه، كان هناك تناغم مستمر بين تقاليد الأفراد والجماعات مع التأثيرات الخارجية. يعكس هذا التفاعل تعقيد الحياة البشرية - رغبة الناس الطبيعية في التواصل وتبادل المعرفة مع الآخرين مقابل حاجتهم لمزاولة معتقداتهم وثقافاتهم الخاصة دون تهديد أو تدمير. يتلخص التحدي الحالي فيما إذا كانت آليات وأهداف العولمة الحديثة ستمكن هذه الرغبات أم أنها سوف تضغط باتجاه توحيد ثقافي قد يمحو الخصائص الفريدة لكل مجتمع.
وتظهر آثار العولمة بوضوح في مجالات اجتماعية واقتصادية وتعليمية شتى. على سبيل المثال، أدوات الاتصال العالمية مثل الإنترنت جعلت العالم قرية صغيرة حيث يستطيع الأشخاص الوصول إلى معلومات وقيم جديدة بشكل دائم تقريباً مما يؤدي غالبا لاندماج مفاهيم وثوابت محلية داخل السياقات الأكبر للعولمة الكبرى. وفي الوقت ذاته، يمكن لهذه المنصات نفسها أيضًا أن تكون وسائل فعالة للحفاظ على التراث الثقافي والديني بتقديم مواد ومحتويات تثري فهم الجماهير لأصولهن وجذورهن التاريخية بطريقة تواكب عصر المعلومات الحديث.
إلا أنه ثمة مخاطر محتملة أيضا؛ فالضغط نحو الاستيعاب الشامل للعادات والمعايير القادمة من الخارج يشكل أحد نقاط الاحتكاك الرئيسية لدى الذين يحذرون من فقدان هويتها ضمن سياق دنيوي يسعى لتبني نموذج موحد للثقافة والسلوك. ويبدو جليا مدى هشاشة الموازين حين ندرك كيف يمكن لاسباب بسيطة كاللغة مثلاً ان تلعب دوراً مفصلياً في تحديد درجة قبول أو رفض أفكار واردة حديثاً. وبالتالي فإن بناء جسور تواصل فعال تعتمد أساسًا علي احترام خصوصيات كل طرف وعدم فرض مقاييس أحادية الجانب سيشكل خطوة هائلة للتخفيف عن تلك المخاوف وتحقيق حالة نوعيه تستغل ايجابئي العصر الجديد بكل اتزانه .
وفي خضم نقاش عميق كهذا يبرز دور المؤسسات التعليمية بصفتها داعمة اساسية لنشر قيم الاختلاف واحترامه كمصدر قوة وليس ضعفا وذلك بإعادة النظر ببرامج المناهج الدراسية والشعار الذي يدعم فكرة التعلم المستند الي الخلفية الذاتية للشخص والتي بدورها تحسن قدرته علي تقدير وانتقاء الافضل بين عناصر المدخلات المختلفة بما ينسجم وانصهار صارم بعنصره الشخصي الخاص به وبالتالي فان تحقيق هدف شامل ربما يتمثل بأنتاج مواطنين قادرين علي الانخراط بكفاءة بروح الفريق بمختلف طوائفه وهو أمر حققت فيه تجربه عصور ازدهار حضارتينا الإسلامية والإسلامية تفوق ملحوظ عندما شرعت باب واسع امام تبادل العلم والثراء المعرفي بينما حافظت خلال نفس الفترة علي أصالتها امامه(ن).
ختاماً، يعد موضوع التوازن بين العولمة والخصوصية قضية معاصرة تتطلب دراسة معمقة واستراتيجيات مرنة تسمح بنمو اقتصادي واجتماعي مشترك