- صاحب المنشور: بشرى الزوبيري
ملخص النقاش:
مع تطور العلم الحديث والتكنولوجيا التي غيرت وجه العالم، برز نقاش قديم جديد حول العلاقة بين الدين والعلوم. يُنظر إلى هذا الموضوع غالبًا كـ "تناقض" أو حتى "صدام"، حيث يرى البعض أنهما يتعارضان مع بعضهما البعض بسبب طبيعة كل منهما الفريدة. فبينما يحاول الدين تقديم تفسيرات لأسرار الكون والإنسان استنادًا على الوحي الإلهي، تستند العلوم إلى الرصد التجريبي والتحليل المنطقي لإكتشاف قوانين الطبيعة وتفسير الظواهر التي تحيط بنا. لكن، هل هذه وجهات النظر المتباينة تعني بالضرورة الصراع؟
التوافق المحتمل: منظور تاريخي وعلمي
فهم العلاقة التاريخية بين الدين والعلوم يكشف عن صورة مختلفة عما هو شائع الآن. شهد عصر النهضة الأوروبية أحد أفضل الأمثلة لهذا التفاعل؛ فقد كان العديد من العلماء الأوائل أيضًا رجال دين ملتزمين بعقيدتهم دينيًا ورائدين علميًا. أشهر مثال على ذلك نيكولاس كوبيرنيكوس، عالم الفلك البولندي الذي وضع نظرية مركز الأرض حول الشمس رغم مواجهته معارضة شديدة داخل الكنيسة الرومانية الكاثوليكية آنذاك. ورغم المعارضة الدينية الأولية لنظرياته، إلا أنها لم تؤدِ إلى هجرانه للعلم بل عززه لتأكيد قدرة الله على خلق منظومة فلكية معقدة ومتوازنة.
وفي الآونة الأخيرة، ذكر علماء مثل الباحث الفلكي الأمريكي ستيفن هوكينج والمؤلف البريطاني ريتشارد دوكينز دور الدين في دعم تطوير العلم عبر التاريخ. يؤكد هؤلاء الكتاب بأنه بدون الدافع الأخلاقي والروحي الذي قدمه الدين للباحثين والحكام خلال العصور الوسطى، لما وصلت البشرية لهذه المستويات العلمية الحالية. فعلى الرغم من الاختلاف الكبير فيما بين المنطق العلمي ومناهج البحث والدلائل عليها وبين معتقدات وقواعد العقائد المقدسة، يمكن القول بأن كلاهما يسعى لتحقيق هدف مشترك وهو فهم واقع الحياة وكشف الأسرار الخفية للموجودات.
نقاط اختلاف رئيسية وأوجه التشابه الضئيلة
على الرغم مما سبق ذكره، هناك حقيقة أخرى لا يمكن إنكارها وهي وجود خلاف جذري بين الطرفين بشأن كيفية فهم الواقع واستيعاب عمليات خلقه. يستخدم المسلم مثلاً القرآن والسُّنّة كأساسيات لفهمه لكيفية خَلْق الإنسان وخلق الأكوان وما بعد الموت والصبر أمام المصائب، بينما يشرح العالِم كيف يعمل الجسم الانساني اعتماداً على البيانات الاحصائية والمعاملات المصاحبة لذلك النوع من الاجسام. بالإضافة إلى تضارب نظريات داروين حول نشأة الانسان وقدسية النفس البشرية لدى المسلمين وغيرهم ممن يعبدون واحداً واحداً لله جل جلاله ويعظمونه فوق أي شيء آخر.
لكن وسط جميع تلك النقاط المختلف عليها والتي تبدو تنافرية تماماً، قد يوجد مجال واسع للتواصل الفكري بناء تقديره لكل طرف الآخر بغض النظر عمّا إذا تم اتباع إحدى الطرق الخاصة به ام لا. فمجرد إدراك ان الاخر لديه رؤيته الفريدة للحياة وان عقليته تعمل وفق مبادئ محددة، سيخلق أساسا ثابتا لحوار مفتوح ويسمح بتط