- صاحب المنشور: ريم اليعقوبي
ملخص النقاش:
مع انتشار تقنيات الاتصال الحديثة والتكنولوجيا الرقمية بسرعة فائقة خلال العقود الأخيرة، أصبحنا نشهد عصرًا جديدًا يتميز بالشمولية الرقمية. تشمل هذه الظاهرة مشاركة الأفراد والثقافات والبيانات عبر الإنترنت بطرق لم تكن ممكنة سابقاً. تتعدد جوانب الشمولية الرقمية؛ فهي تؤثر على التعليم وتبادل المعلومات والمعارف الثقافية وحتى الاقتصاد العالمي. ولكن مع كل تلك الفوائد المحتملة، تبرز تحديات ملحة تحتاج إلى اهتمام عاجل.
أولاً، يمكن اعتبار توسع نطاق الوصول لأدوات الاتصال الرقمي كخطوة نحو تحقيق المساواة الاجتماعية. حيث يوفر هذا الوضع فرصة متساوية للجميع لكي يصلوا إلى مجموعة واسعة من المعرفة والموارد التي كانت محصورة بسابقٍ ذيها للأفراد الأكثر ثراءً أو الذين يعيشون بالقرب من مراكز العلوم والأبحاث الرئيسية. كما أنه يساعد أيضًا على سد الفجوة بين الدول المتقدمة والدول الأقل تطورا من حيث تبادل الخبرات والمعارف المتخصصة. بالإضافة لذلك فإن شبكات التواصل الاجتماعي توفر مساحات لتكوين مجتمعات افتراضية تعزز الشعور بالانتماء لدى الأشخاص الذين يشتركون بنفس الاهتمامات بغض النظر عن مكان وجودهم الجغرافي.
ثانياً، رغم الإيجابيات الواضحة، إلا أنه يوجد جانب مظلم يجب أخذه بعين الاعتبار. فعلى الرغم من كون الشبكة العنكبوتية متاحة لكل شخص لديه جهاز كمبيوتر واتصال بالإنترنت، إلا أنها ليست كذلك بالنسبة لكافة المستخدمين بسبب عدم القدرة المالية للحصول عليها أو نقص المهارات اللازمة لاستخدامها بكفاءة. وهذا يعني استمرار حدوث انقطاعات وعدم وجود تكافؤ الفرص خاصة وسط المجتمعات المحرومة اقتصاديًا والتي تعتبر غير قادرة حتى الآن على الاستفادة الكاملة مما تقدمه الثورة الرقمية للعالم الحديث.
ثالثاً، إحدى أهم القضايا المرتبطة ارتباط مباشر بتلك المشكلة هي قضية خصوصيتنا الشخصية وأمان بياناتنا الحساسة أثناء تصفح الانترنت واستخدامه بشكل عام. فقد أدى زيادة الاعتماد على الخدمات الرقمية المختلفة كالتداول الإلكتروني والحساب البنكي ومشاركة الصور وغيرها الكثير إلى ظهور مخاطر جديدة مثل عمليات الاحتيال وغسيل الأموال وانتشار الأخبار الزائفة وانتهاكات البيانات الضخمة. وهذه أمور تستوجب تدخل الحكومات والشركات العالمية لتحسين إجراءاتها الأمنية وضمان سلامة مستخدميها.
رابعاً وليس آخرًا، تأثيرات الانتشار الهائل للتطور التكنولوجي والإعلام الجديد على صحتهم النفسية والعاطفية لهو موضوع مثير للجدل ويستحق مزيداً من الدراسة العلمية المتعمقة لفهمه تأثيره طويل المدى. فقد وجدت العديد من الدراسات علاقة تربط استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بالاكتئاب وانخفاض جودة العلاقات الإنسانية وجهود العمل المنخفضة. وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك أيضا نظريات قائمة تفند هذه الادعاءات مدعية بأن مواقع التواصل تساعد بالفعل في الحد من مشاعر الوحدة وتعزيز شعور المرء بقيمته الذاتية عندما يكون قادرًا على إدارة أوقات حضوره بطريقة صحية وإيجابية.
وفي نهاية المطاف، تجدر الإشارة هنا إلى ضرورة توازن شامل بين جميع الجوانب السابقة لإرساء نظام شمولي رقمي فعال وآمن ومتطور جنبا إلى جنب مع احترام حقوق الإنسان الأساسية وحماية رفاهية أفراده ضمن بيئة رقمية غنية بالإمكانات. إن مواجهة تحدياتنا والتغلب عليها يتطلب فهماً عميقاً لهذا الواقع المعقد والتعامل معه بحكمة وصواب.