- صاحب المنشور: مها المسعودي
ملخص النقاش:
لقد لعبت الأعمال الفنية والثقافة الإسلامية دوراً محورياً في الحفاظ على هويتها وتقديمها للعالم منذ العصور الأولى للإسلام. تُعتبر هذه الأعمال مرآة تعكس التنوع الغني للثقافات والمجتمعات التي تشكل العالم الإسلامي الواسع. يمتد نطاق هذا التأثير عبر الفنون البصرية إلى الأدب والموسيقى والرقص والشعر وغيرها من أشكال التعبير الإبداعي. إن فهم تأثير الفن الإسلامي على الهوية الثقافية يتطلب استكشاف الجوانب التاريخية والتقاليد المعاصرة المتعلقة بكيفية تأطير المجتمعات المسلمة لذاتها وللآخرين.
الأصول التاريخية: الجماليات والإرث الفكري
تعود جذور الفن الإسلامي إلى العصر الأموي وأوائل العهد العباسي حيث ازدهرت حركة ثقافية وإنتاج فني كبير تحت رعاية الخلفاء والملوك. تميزت تلك الحقبة بنمط معمارية متفرد مثل القباب الكبيرة والمعقدة والديكورات الزخرفية التي زينتها نقوش هندسية وزخارف نباتية مستمدة من الطبيعة. لم يُسمح بتصوير كائن حي بصورة واضحة حسب تفسير بعض الفقهاء والأئمة المسلمين؛ مما دفع الفنانين نحو ابتكار تقنيات جديدة لإنتاج أعمال مذهلة باستخدام اشكال مجردة ومتكررة.
استمرت هذه التقليد خلال القرن الثالث عشر عندما سيطر سلطان المغول على جزء كبير من آسيا الوسطى وشمال أفغانستان اليوم. شهد ذلك الوقت نهضة فنية امتزجت فيها عناصر مختلفة بين الفن المحلي والسائد آنذاك لتكون فنا مغوليا مميزا. كان ابرز مظاهر هذا المزيج ظهور لوحات ابحرية ملونة ومزخرفة بأشكال حيوانية وفلكورية بارزة بالإضافة الى استخدام الخط العربي كتعبير جمالي قائم بذاته.
مواجهة التحديث والتغيرات الاجتماعية الحديثة
مع مرور الوقت واجه الفن الاسلامي تحديات جراء تأثير الحداثة والفكر الاستعماري الذي عمل على تسطيحه وإبعاده عن بيئته الأصلية. وقد أدى ذلك لموجة نقد ذاتي لدى العديد من الرسامين والنحاتين العرب الذين سعوا لاستعادة تراثهم الفني وإنصهاره بمؤثرات عصرية. ظهر بذلك اتجاه جديد عرف باسم "الفن الحديث" والتي تغنت به شخصيات بارزة كالراحل محمود سعيد وعبد الهادي الجزائري اللذان ادخلا ألوان وانماط غير معهودة سابقا ضمن اطار محافظ نسبيا.
في العقود الأخيرة، شهدنا بروز فناني شباب يسعون لجسر فجوة التواصل بين الماضي والحاضر وذلك باستلهام عناصر قديمة وإدخال تفاصيل مستجدّة. يعبر هؤلاء الشباب عن رؤاهم الخاصة تجاه دينهم وثقافتهم بطريقتهم الفردية مبتعدين عن الشكل الرسمي القديم لكن محتفظين بقيمه الأساسية. أحد أمثلتهم البارزين الفنان اللبناني عبد الله إسماعيل الذي يستخدم الوسائل الرقمية لبناء تركيبات ثلاثية الأبعاد تتمحور حول موضوعات دينية ومعاصرة معاً.
وفي النهاية، يمكن القول بأن للفن الاسلامي مكانة خاصة داخل مجتمعات مسلمة متنوعة فهو ليس مجرّد شكل بلاغني بل عمود يحمل تاريخ وهوية شعب كامل. إنه انعكاس مشترك لعوامل متعددة تتضمن الدين والعادات والتجارب الشخصية مما يعزز حس الانتماء المشترك ويحفز حوار حضاري ثرى يناقش قضايا عالمية مشتركة بروح الحوار المفتوحة.