"لماذا نزل مستوى كرة القدم وتحول لما نراه الآن؟"
كرة القدم أصبحت سيئة، بسبب المباريات الكثيرة التي تلعب وانعدام الراحة للاعبين، المدربين سيئون، لا يجيدون الاستفادة من لاعبيهم وهؤلاء يدمرون المنتخبات والأندية، كم مرة سنسمع نفس الأسباب المتكررة والمعلبة الجاهزة للحكم عن هذا الفريق أو ذاك، و لكم من الوقت سنتجاهل المشاكل الأساسية والعميقة للكرة؟
الكرة لم تصل لهذه المرحلة الآن بسبب سوء المدربين، ولا بسبب المباريات الكثيرة، وإن كانت هذه أسباب تأتي لاحقاً بالحديث عن مستوى اللاعبين الذين نراهم منهكين بنهاية موسم، أو خلاله بالعديد من الأحيان.. لكن هل اللاعبون الذين نراهم الآن، يمتلكون نفس أسس اللاعبين السابقين، أو كرة القدم الحالية، شبيهة بالكرة التي أغوتنا بمتابعتها ونحن صغار؟
أعتقد بأننا سنتفق حول كون لاعبو هذا الجيل، بعيدون كل البعد عن لاعبو الجيل الماضي، ولهذا يتوجب علينا بأن نبحث عن الأسباب الحقيقية.
المتعة التي يقدمها هذا الجيل من اللاعبين مختلف عن متعة كرة القدم التي نحب، والتي ارتبطنا بها، لهذا من المهم البحث عن سبب هذا الاختلاف قبل المرور لأي مرحلة لاحقة، والتي سيكون بنهايتها بالتأكيد عدد المباريات الكبير، الإرهاق، وبقية الأسباب المنطقية الواضحة.
ولكي نوضّح النقطة الأولى جيداً، من المهم مراجعة الماضي، وهنا لن أعود بالتاريخ سوى لما أتذكره وأستحضره شخصياً، كان من السهل حين أبحث عن مهاجم جيد لفريقي، بأن أضع عشرات اللاعبين بخط الهجوم على مستوى العالم، مهاجمون بمختلف الأساليب منهم المراوغ الهداف، الهداف القناص فقط، وهكذا كنت سأطرح أسماء كثيرة ضمنها الظاهرة رونالدو، راؤول، تشيفشينكو، فان نستلروي، باتيستوتا و تيري هنري.. وسأكتفي عند هذا القدر (أعتقد بأن التشبيه وصل).. لأطرح السؤال: حين نبحث عن مهاجم بالوقت الراهن، هل نستطيع أن نعد عشرات المهاجمين من ضمن نخبة مهاجمي العالم؟ الجواب باستمرار يتمحور حول اسمين، هما هالاند وكيليان، و حتى هذين الاسمين، كلامهما من الناحية الفنية، لا يقارنان مع من سبق.
ذات الشيء بخطي الوسط، ثم الدفاع، كانت الأندية بكل الدوريات لديها مدافعين يتمناهم أي فريق آخر، كان من الممكن بأن تعد عشرات المدافعين ضمن نخبة مدافعي العالم الذي ستتمناهم بفريقك، والوسط كذلك حدّث ولا حرج.. و الأمر سيان بالنسبة للأظهرة، الأجنحة، حراسة المرمى، المدربين.. لكن ماذا عن الآن؟
نعود لنفس الوضع، بكل مرة تبحث فيها عن لاعب بأي مركز ستجد بأن الخيارات محدودة، جد محدودة، وبجودة بعيدة عن جودة اللاعبين السابقين.
لنمر للسؤال، لماذا؟
إن التغيرات التي ظلت مستمرة على الكرة ليست هي التي نراها في التلفاز وبفرقنا الكبيرة أو المنتخبات الوطنية فقط، فهؤلاء هم نتاج العمل الذي يجرى في القاعدة، وهي مراكز التكوين.
مراكز تكوين لاعبي الكرة هي التي تغيرت معايير اختيارها للأطفال أو الشباب، و ارتكزت على جوانب بدنية أكثر منها مهارية، على عكس السابق.
فإن كنا في السابق نلعب الكرة في الشوارع، وحين نتوجه لمراكز التكوين، بإجرائنا الاختبار يؤخذ منا أفضل من يلعب ولو كان قصير القامة، بطاقة تحمل ضئيلة، لكنه يجيد لعب الكرة بقدميه، المراوغة أو أبجديات السيطرة على الكرة (كنترول) ثم التمرير، فإن الوضع الحالي اختلف، حيث أصبحت مراكز التكوين تميل لاختيار الأقوى بدنياً، السريع أو القادر على الركض لأكبر قدر ممكن من دقائق المباراة، والمهاري الذي سيتعب بسرعة بعد أول نصف ساعة من اللعب لن يتم اختياره، ولو كان جيداً.. ولاختيار المهاري يجب بأن يكون "فلتة" في تفضيل واضح للجانب البدني، على المهاري.
أصبحت الاختيارات تقع على أطفال وشباب بمواصفات معينة، ثم يتم تكوينهم على الأبجديات وهي السيطرة على الكرة، التمرير، طريقة الوقوف في الملعب، اتباع تعليمات المدرب الذي يوجههم حسب حاجته -التي غالباً ما تكون تكتيكية-.
ولهذا نجد لاعبون مبرمجون، بنفس القالب أو قوالب متقاربة (بمختلف المستويات) لا يكونون ممتعين ولكنهم يمتلكون الوعي التكتيكي، و يلعبون على أعلى مستوى.
في السابق كانت مراكز التكوين تعمل على كشف ثم صقل الموهبة، كانت الموهبة هي المعيار وبالتالي فاللاعب الذي يمتلك كل تلك الأبجديات، المراوغ الجيد، يتم تأهيله بدنياً ثم تكتيكيًا ليلعب باستمرار على مستوى أفضل، لكن هل اللاعب المهاري سيتكيف مع أسلوب اللعب الجديد؟
ما نشاهده حالياً على المستوى العالي هو نتاج تغير أساليب العمل في الأكاديميات بالأساس، لتحول كرة القدم لتجارة بعد أن كانت رياضة ممتعة بالأصل، ويأتي الجانب المادي (المهم كذلك) لاحقاً.
إلا أن الآن، التجارة بحاجة لأن تستمر بإدخال أرباح، وليتواصل هذا كان من الواجب بأن نواصل خلق فرق تفوز، والفريق الذي يفوز بكرة القدم الحالية التي طغى عليها العامل البدني والجانب التكتيكي لا يكون دائماً هو الفريق الممتع.
أصبحنا بحاجة أكبر للفريق المنظّم، والفريق المنظّم بحاجة لتكتيك وعمل جماعي ومجموعة بلاعبين لديهم وعي تكتيكي و قوة بدنية (كما ذكرنا سلفاً).
هذه هي الأسباب التي جعلت كرة القدم لا تقدّم مواهب مثل السابق، الشح المتواجد في البرازيل، الأرجنتين أو أمريكا اللاتينية التي كانت تعد بحراً ومصدراً للمواهب، لا تقدم لنا سوى لاعبين أو 4 بعقد من الزمن.. بينما كانت منتخباتها بأسوء الأحوال لديها نجوماً بأفضل الفرق العالمية، ثم مواهباً لا تجد مكاناً لتلعب فيه.
إن الجانب التجاري الذي يجعل الجميع يطمح للمزيد من المال، أندية كبيرة كانت أو صغيرة، هو المحرك الرئيسي للاتحادات المعنية بإدارة كرة القدم، الفيفا والويفا (وبقية الاتحادات) التي ترغب بأن تكسب أكبر قدر ممكن من المال كذلك، و يأتي هذا عن طريق إضافة البطولات، وهنا نأتي للنتيجة النهائية، الحتمية وهي الجاهزة المنشورة، التي تجعلنا نقول بأن هؤلاء اللاعبون يصلون مرهقون، هذا صحيح، وقد كان هذا ليكون وضع الظاهرة وزيدان سابقاً.. كوضع من يلعب كرة القدم الحالية، لكن هل الاستمتاع بالظاهرة رونالدو، زيزو، أو ميسي ثم الحديث عن إرهاقهم يماثل الاستمتاع بلاعبين كهالاند، فودين، رافينها أو ساكا؟
برأيي لا توجد أدنى مقارنة، ولهذا نقطة الإرهاق هي نتيجة كان ليعاني منها الجميع، و في الواقع مستوى كرة القدم نزل لأسباب أخرى والإرهاق آخرها.. يجب التركيز على السبب الحقيقي الذي جعلنا نصل لمرحلة متابعة لاعبين لا يجيدون مراوغة شجرة، وليس اللاعب المرهق الذي يقف أمام الشجرة (والذي لم يكن سيراوغها حتى بأفضل حالاته البدنية).
الواقع هو أن مستوى الكرة نزل، وكثرة المباريات هي آخر الأسباب التي جعلتنا نصل لهذه المرحلة وليس أولها.. وإلا كيف يمكن تفسير بأننا لا نستطيع تقديم 10 لاعبين فنياً جيدون، يمكن تصنيفهم على كونهم من نخبة لاعبي العالم بكل مركز، (على المستوى العالم)، عكس السابق؟