“يا ابنَ عمِّ، إني قد رغبت فيك لقرابتك وسِطَتِك في قومك وأمانتك وحسن خُلقك، وصدقِ حديثك”.. حروفٌ نور

“يا ابنَ عمِّ، إني قد رغبت فيك لقرابتك وسِطَتِك في قومك وأمانتك وحسن خُلقك، وصدقِ حديثك”.. حروفٌ نورانيةٌ بادرتْ بها خديجةُ ذلك الشابَّ الأريبَ على أث

“يا ابنَ عمِّ، إني قد رغبت فيك لقرابتك وسِطَتِك في قومك وأمانتك وحسن خُلقك، وصدقِ حديثك”.. حروفٌ نورانيةٌ بادرتْ بها خديجةُ ذلك الشابَّ الأريبَ على أثرِ خروجه في تجارةٍ لها، فأربَحها ضعْفَ ما يُربِحُها الآخرون، ولِما اشتهر به من الصدقِ والأمانةِ وعوالي الأخلاقِ معَ كونِه ما يزالُ

في غضارةِ الشبابِ، ومعَ كونها يومئذٍ “أوسطَ نساء قريشٍ نسبًا وأعظمهنَّ شرفًا، وأكثرهنَّ مالًا، كلُّ قومِها كان حريصًا على ذلك منها لو يقدر عليه”، وقد تزوَّجَت مرتين قبلَ إعلانها تلك الرغبةَ، ثم اختار اللهُ لها ذلك الرجلَ الصالحَ زوجًا من بين أولئك الذين كانوا يبذلون لها النفسَ

والنفيسَ لو كانت تقبل.

مَن يقرأ سيرةَ خديجة بنت خويلد، يجد أنها كانت في جاهليةِ الناسِ امرأةً شريفةً عفيفة نقيةً طاهرةً، راجحةَ العقلِ غزيرةَ الفطنة، ولم تكن سخَّابةً كسائر النساء، وحسبُك من ذلك أنها كانت تدعى في الجاهلية: الطاهرة.. وكأنها حين عرضتْ نفسَها على محمدٍ ﷺ الشابِّ

الأمين، أزيح لها سترٌ من الغيبِ، فأبصرَتْ ما ينالُها من المكرمات من أثرِ ذلك الزواج، وتكشَّفَ لها أن لهذا الرجل شأنًا لن يطاولَه فيه أحدٌ من الناس، وإذن فالأمرُ عندها مجاوزٌ لمظاهر الأمانة والصدق حسن الخلق، التي كانت شعارَ محمدٍ ﷺ في شبابه ودثارَه.

وفعلُها ذاك -عرضُها نفسَها عليه- من حسْن الفطن، فهي امرأةٌ تصبو إليها النفوس وتطمح لها الأبصار، لكنها سمَتْ فوق ذلك ولم تألُ فيما اختارتْ لنفسها خيرًا، وكأن الله قد أعدَّها من لدُنْ شبابها لتكون أعظمَ من محض زوجةٍ تؤنس زوجَها ويسكنُ إليها ويكون له منها الولدُ، بل هيأَها لتكون


أنمار بن فارس

10 مدونة المشاركات

التعليقات