#ثريد
أي الأمم أعقل؟
هكذا بادر عبدالله ابن المقفع أصحابه بالسؤال،
فقالوا فارس؟
قال كلا، ليس ذلك لها ولا فيها، هم قوم عُلّموا فتعلموا، ومُثّل لهم فامتثلوا، وبُدِئوا بأمر فصاروا إلى اتباعه، ليس لهم استنباط ولا استخراج.
#نادي_مقروء
فقالوا الروم؟
قال ليس ذلك عندها، بل لهم أبدان وثيقة، وهم أصحاب بناء وهندسة، لا يعرفون سواهما، ولا يحسنون غيرهما.
فقالوا الصين؟
قال أصحاب أثاث وصنعة، لا فكر ولا روية.
فقالوا الترك؟
قال سِباعٌ للهراش.
فقالوا الهند؟
قال أصحاب وهم ومخرقة وحيلة.
فقالوا الزنج؟
قال بهائم هاملة.
فقالوا من؟
قال العرب، وسأبيّن لكم:
العرب ليس لها أولٌ تؤمُّه، ولا كتاب يدلها، أهل بلد قفر، ووحشة من الأنس، احتاج كل واحد منهم في وحدته إلى فكره ونظره وعقله،
وعلموا أن معاشهم من نبات الأرض فوسموا كل شيء بسمته، وعرفوا المصلحة في رطبه ويابسه، وأوقاته، وما يصلح منه للشاة والبعير،
ثم نظروا إلى الزمان واختلافه، فجعلوه ربيعيا وصيفيا، وقيظيا وشتويا، ثم علموا أن شربهم من السماء، فوضعوا لذلك الأنواء، وعرفوا تغيّر الزمان فجعلوا له منازله من السنة، واحتاجوا إلى الانتشار في الأرض، فجعلوا نجوم السماء أدلّة على أطراف الأرض وأقطارها، فسلكوا بها البلاد،
وجعلوا بينهم شيئا ينتهون به عن المنكر، ويرغّبهم في الجميل، ويتجنبون به الدناءة، ويحضّهم على المكارم، ليس لهم كلام إلا وهم يُحاضون به على اصطناع المعروف، ثم حفظ الجار وبذل المال وابتناء المحامد، كل واحد منهم يصيب ذلك بعقله ويستخرجه بفطنته وفكرته،