- صاحب المنشور: مهدي الرشيدي
ملخص النقاش:
في عالم يتطور بسرعة كبير نحو التكنولوجيا الحديثة والعلم الحديث، قد يثار تساؤل حول مدى توافق هذه الثورة مع المنظور الديني. ولكن عوضاً عن تقسيم هذا العالم إلى مجالين متنافرين، يمكن النظر للحوار البناء بين الدين والعلوم كوسيلة لإثراء الفهم المشترك وتدعيم الرؤية العالمية للأفراد والمجتمعات.
فهم العلاقة التاريخية للتعايش
تاريخياً، كانت هناك حالات عديدة حيث ساهمت الثقافة الإسلامية والعربية في تقدم العلم عبر ترجمة وتحقيق أعمال مفكرين وفلاسفة يونانيين ورومانيين وغيرها من الثقافات القديمة. أدخل المسلمون علم الرياضيات والفلك والأرصاد الجوية وعلم الأحياء إلى مكتبة الإنسانية المتنامية. فمثلاً، كان الخليفة هارون الرشيد يؤمن بأهمية البحث العلمي وأنشأ بيت الحكمة ببغداد كمكان لترجمة الكتب اليونانية وغيرها والتي أثارت روح الاستكشاف لدى العديد من العلماء المسلمين الذين أعادوا دراستها وإضافة أفكار جديدة إليها. وبالتالي فإن الروابط بين الدين والثقافة لم تكن قط على خلاف مع العلم؛ بل إن الدين غالباً ما يشجع التعلم والسعي لفهم الطبيعة.
تطورات القرن الـ21 والتحديات الجديدة
مع تزايد تعقيد التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي ومجالات أخرى مماثلة، أصبح من الواضح أكثر أهمية الحوار بين الأديان والعلوم. فهذه المجالات تتطلب تفكيراً نقدياً عميقاً يستند جزئياً على القيم الأخلاقية التي توفر لها خلفية أخلاقية واضحة وصحيحة تساعد المجتمعات على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن استخدام هذه التكنولوجيات وكيف ستكون تأثيراتها طويلة المدى. كما أنه في بعض الحالات، قدم علماء دين مساهمات قيمة في المناقشات العامة حول الصحة البيئية والحفاظ على البيئة، وهو موضوع ذو صلة مباشرة بالدراسات العلمية لعلم الأرض وعلم النبات وحتى الفيزياء الفلكية لدراسة تأثير الإنسان على نظام كوكبنا الشمسي الأكبر والذي يعرف بنظامنا الشمس�เย.
بناء جسور التواصل بين الطرفين
لتعزيز حوار ناجح ومتواصل بين الجانبين، يجب تشجيع تبادل الأفكار والدروس فيما بينهما بطرق منظمة ومنفتحة. وهذا ينطبق ليس فقط داخل الفرد ولكنه أيضا يشمل دور المؤسسات التعليمية والصحفية والإعلامية المختلفة لتسهيل الوصول لهذه الرسائل. بالإضافة لذلك، ينبغي فتح الباب أمام مجموعات متنوعة من المهنيين ليستكشفوا مجالات مشتركة وكذلك تطوير مشاريع بحث متعددة التخصصات تضم خبرات دينية وثقافية إضافة للمختصة العلمية ذات الصلة الموضوع محل الدراسة أو البحث المطروح حاليًا.
وفي النهاية، يعد فهم واحترام كل وجه نظر أمرًا أساسيًا لبناء مجتمع مدمج ومعاصر يعيش ويتفاعل تحت ظل رؤى مختلفة لكنها مكملة لبعضها البعض. فالالتقاء المبني على الاحترام المتبادل سيضمن استمرارية تبادل واستخدام معرفتنا وتجاربنا بغض النظر عن مصدر نشوء تلك التجارب سواء كانت من خلال المقاربات الإلهية أم المكتسب حديثا بواسطة التحقيقات التجريبية الحديثة وما بعدها حتى ولو بعد حين!