السَّلام عليكَ يا صاحبي،
سألَ رجلٌ هند بنت النعمان بن المنذر آخر ملوك المناذرة في اليمن،
فقال لها: حدثيني عن مُلككم وما كُنتم فيه!
فقالتْ: أأختصرُ أم أُفصِّل؟
فقال: اختصري!
فقالتْ: أصبحنا وكل من رأيتَ عبداً لنا، وأمسينا وعدُوُّنا ممن يرحمنا!
إني أُعيذك باللهِ من زوال النِّعم يا صاحبي،
من أن تُدبر الدنيا عنك بعد إقبالها،
ومن أن تنزوي عنك الخيرات بعد بقائها في يدك ردحاً من الزمن،
ومن أن يُستغنى عنكَ بعد أن كان لا يُعقد أمر دون حضورك،
ومن أن يُستهان بك بعد عِزٍّ،
وتُزدرى بعد توقير!
موحشة هي الدنيا يا صاحبي إذا انقلبتْ بالمرء،
فمن ذاق العِز قتله الذُّل والحاجة بعد ذلك،
قضمه ببطءٍ كما يقضم فأرٌ نَهِمٌ كنزة صوفٍ،
حتى لا يُبقيها صالحة لشيءٍ!
يا صاحبي،
وجع المريض الذي وُلد في المرض،
أخفُّ من وجع من ذاق العافية ثم مرض!
ووجع الفقير الذي وُلد في الفقر،
أخف من وجع من ذاق الغِنى ثم افتقر!
ووجع الذي ليس له حبيب،
أخف من وجع من ذاق طعم الحُب ثم فقده!
كل حرمان صعب،
ولكن أن يتحسَّر المرءُ على ما لم يجرب لذته،
أخف وطأة، وأقل وجعاً من أن يتحسَّر على فقد ما جرَّبه!