- صاحب المنشور: جلول بن زيدان
ملخص النقاش:
تُشكّل العلاقة بين التكنولوجيا والتعليم محوراً محورياً في نقاش يشمل العديد من الجوانب الفلسفية والتطبيقية. فمنذ ظهور الحوسبة وبزوغ عصر المعلومات، تزايد الاعتماد على التقنية كأداة لتغيير طريقة توصيل المعرفة وتلقّيها. ولكن بينما توفر هذه الابتكارات فرصاً هائلة لتحسين تجربة التعلم، فإنها أيضاً تشكل تحديات تستدعي تحليلاً دقيقًا للتوازُن الأمثل بين استخدام التكنولوجيا وتعليم الطلاب المهارات الأساسية اللازمة لنجاحهم المستقبلي.
في البداية، دعنا ننظر إلى الإيجابيات التي تقدمها التكنولوجيا للتعليم. فهي تُسهل الوصول للمعلومات وتجعل عمليات البحث أكثر كفاءة ودقة مقارنة بالأيام الخالية التي كانت تعتمد اعتمادا رئيسيا على الكتب والمكتبات. كما يمكن للتطبيقات التعليمية والبرامج المتخصصة تقديم محتوى متنوع يتناسب مع مختلف الأعمار وقدرات الفئات الدراسية المختلفة بطرق جذابة وجاذبة للانتباه سواء كانوا طلاب المدارس أو جامعات أو حتى الراشدين الذين يرغبون بتعلم مهارة جديدة. بالإضافة لذلك فإن امكانية التواصل والحوار العالمي عبر الإنترنت يوفر بيئة غنية بالمعلومات والمعارف العالمية مما يعزز الثقافة العامة لدى شباب اليوم ويفتح آفاق واسعة لهم لاتخاذ القرارات العلمية والفكرية بناء علي معلومات موثوق بها ومتنوعة المصدر.
لكن رغم كل ذلك هناك وجه آخر لهذه العملة الذهبية حيث قد يؤدي الاستخدام المفرط للتكنولوجيا إلي تراجع مهارات شخصية مهمة مثل القراءة وفهم الآخر واجادة اللغة الشفهية وغيرها الكثير والتي تعد أساسيات لبناء مجتمع متوازن وفعال اجتماعيا وعاطفيا . فقد تناقصت معدلات قراءة الكتاب المطبوع بصورة ملحوظة مقارنة بأولئك الذين يستخدمون وسائل أخرى كاللوحات الإلكترونية والأجهزة الرقمية للحصول علی المعلومة مباشرة مما يعني انخفاض نسبة التركيز والاستيعاب لدي هذا الجمهور خاصة وان معظم المحتويات الحديثة تأتي مصحوبة بمؤثرات سمعية وبصرية تؤثر بدورهاعلى قدرتهم علي فهم المواضيع المعقدة بدون مساعدة خارجية. أيضًا أدى انتشار مواقع التواصل الاجتماعي والشاشات الصغيرة الي تقليل الوقت الذي يقضيه الأطفال خارج المنزل مما اثر بالسلب علي صحتهم النفسية والجسدية وفي بعض الاحيان اتجاهاته الاجتماعية ايضا حيث أصبح غير قادر علي تصنيف العلاقات الشخصية الصحيحة بسبب نقص التجارب الواقعية الحقيقية نتيجة للعيش داخل عالم افتراضي يتم فيه التحكم بدرجة عالية من قبل الشبكات الضخمة ذات المصالح الخاصة المبنية عادة حول الربحية وليس الإنسانية النقية .
وفي ضوء تلك الحقائق ينشأ تساؤل جوهري وهو : هل يُمكن تحقيق توازن صحيح يسمح باستخدام تكنولوجيات القرن الواحد والعشرين في قطاع التعليم دون المساس بالقيم الأساسية للإنسان وكيف بإمكاننا وضع سياسات واستراتيجيات تراعى تطوير الاجيال الجديدة علميًا وتعليميًا دون طمس هويتهم الوطنية وثقافاتها المحلية الأصيلة ؟ إنها مشكلة معقدة تتطلب فهماً عميقًا لكل جوانب المشهد الحالي ومخططًا مدروس بعناية لإنشاء حاضرة مزدهرة تعمل جنبا إلي جنب مع الماضي الغني بالحكمة والقيم الأخلاقية وذلك لإعداد جيلا قادرا علي مواجهة عصر رقمي جديد سيحتم عليهم تنظيم