- صاحب المنشور: سعدية الصديقي
ملخص النقاش:
لقد شكلت قضية العلاقة بين الإسلام والديمقراطية أحد أهم المواضيع الجدلية التي شهدتها الحياة السياسية والفكرية الإسلامية المعاصرة. هذا النقاش ليس جديداً ولكنه اتخذ منحى أكثر حيوية وتأثيراً مع بداية القرن الحادي والعشرين حينما أصبح التوجه الديمقراطي ركنا أساسياً في العديد من الأنظمة حول العالم. يتساءل البعض عما إذا كان يمكن دمج هذين النظامين -الذي يعد أحدهما نظام حكم تقليديا والآخر حديث نسبيا- بأسلوب متناغم ومستدام.
في هذه الورقة، سنناقش هذه القضية من زاويتين رئيسيتين: الأول يركز على كيفية فهم الإسلام للديمقراطية وكيف يتم تطويعها لتعكس قيم الشريعة الإسلامية، بينما يستعرض الجانب الآخر الآليات والمبادئ الأساسية للديمقراطية الحديثة وما إذا كانت تتوافق أو تتصادم مع الأحكام الشرعية.
بالنظر إلى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، نجد أنهما يؤكدان على العدالة الاجتماعية، احترام حقوق الإنسان، واستشارة الرأي العام. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز "وَالشُّورَىٰ": "
ومع ذلك، فإن التطبيق العملي لهذه المبادئ قد تعرض للنقاش والتفسير المختلف حسب الظروف التاريخية والتقاليد الثقافية المختلفة داخل المجتمعات الإسلامية. وعلى سبيل المثال، تمت ممارسة أشكال مختلفة للشورى عبر القرون، مثل مجالس الإمام علي بن أبي طالب والكوفة والخوارزميين وغيرهم ممن كانوا يستشيرون الخبراء والجمهور المؤهل قبل اتخاذ قرارات مصيرية. ولكن، هل يمكن اعتبار تلك التجارب القديمة نموذجا قابلا للتطبيق بشكل مباشر في السياقات الاجتماعية والثقافية المعاصرة؟
من ناحية أخرى، تمثل الديمقراطية الحديثة نظاما سياسيا قائما على مبدأ سيادة الشعب وانتخاباته الحرة، والتي تعتبر عموما ضرورية لتحقيق الحكم المدني المفتوح والمعاصر. لكن كيف تواجه الدول ذات الغالبية المسلمة تحديات تطبيق نماذج ديمقراطية تناسب تفاصيل العقيدة الإسلامية وقوانين الشريعة؟ هناك توجهات مختلفة تظهر ضمن الرباط الإسلامي -الديموقراطي، مثل الدولة العلمانية والإسلاموية والإسلاموية الديموقراطية.
تهدف الاتجاه الإسلاموية العلمانية إلى فصل الدين عن السياسة تماما، وهو نهج أدى غالبا إلى توترات بين مؤسسات الدولة والقوى الاجتماعية المحافظة. وفي المقابل، تسعى النهضة الإسلامية نحو دولة إسلامية كاملة تدير كل جوانب حياة مواطنيها وفق الشريعة الإسلامية. أما الإسلاموية الديموقراطية فتسعى لتوازن بين مبادئ الديمقراطية الليبرالية والقوانين الإسلامية، مؤمنة بأن كليهما يمكن تعزيزهما بالتآزر وليس بالتضاد.
وفي النهاية، يبقى البحث مستمرا حول أفضل الطرق لمواءمة الهيكيليتين السياسيتين الكبريين تحت سقف واحد. إن مفتاح حل هذه الإشكالية يكمن ربما فيما هو أبعد من مجرد تبني أحد النظامين الحاكمين؛ إنه يتعلق بفهم شامل لقواعد اللعبة المشتركة التي تحمل مفاهيم مشتركة كال