في بحثنا عن الروابط القوية بين الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، قد نجد العديد من القصص والروايات التي تحاول تسليط الضوء على عمق تلك العلاقات. أحد هذه الأمثلة يتمثل في قصة تقبيل الرسول صلى الله عليه وسلم لفم الصحابي الجليل أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وهي قصة ظهرت في كتاب "الرياض النضرة في مناقب العشرة".
إلا أن هذا الأمر يستحق التأمل والتدقيق نظرًا لصعوبة تحقيق الصحة العلمية لهذه الروايات عند البحث عنها بشكل مستقل خارج السياق العام لهذا الكتاب. المؤلف الأصلي لهذا العمل، الإمام محب الدين الطبري، رغم مكانته المرموقة باعتباره عالمًا ذا خبرة في علوم القرآن والأحاديث، فقد كانت لديه عادةً في تضمين الكثير من الأدلة بدون تحديد الدرجة أو التحقق الدقيق مما إذا كانت هذه الأدلة ذات أساس صحيح أم لا.
ومن المهم أيضًا النظر في مصدر آخر للأثر الذي تمت الإشارة إليه، وهو كتاب "سيرة المتعبدين" للملا عمر بن محمد بن الخضر. بينما يبدو هذا المصدر غزيراً بالأدلة، فهو معروف أيضاً بجمع كل أنواع المعلومات بغض النظر عن صحتها. بالإضافة إلى ذلك، عرف عمر الملا بالإكثار من نقل الأحاديث المكذوبة حسبما أكدت أقوال علماء كبار مثل شيخ الإسلام ابن تيمية.
بالنظر إلى التاريخ والشخصية الثابتة لشعبية وأهمية أبو بكر الصديق رضي الله عنه، هناك دليل وفير بالفعل يدعم مكانه الخاص لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم. لذلك، يجب التعامل مع أي أدلة جديدة وفقاً لمعايير علم الحديث للتأكيد على أصالتها قبل اعتمادها كمصدر موثوق لتقديم صورة متكاملة لعلاقة المسلمين الأولى برسول الله الكريم.