- صاحب المنشور: نوح الدرويش
ملخص النقاش:
تواجه مجتمعاتنا اليوم تحولات كبيرة بسبب الثورة التكنولوجية التي أدت إلى ظهور عالم رقمي مليء بالفرص والتحديات. بينما تساهم هذه التحولات في تسهيل حياتنا وتوفير خدمات متعددة، إلا أنها أثارت أيضًا مخاوف بشأن حماية خصوصيتنا الشخصية والبيانات الحساسة. مع تصاعد حجم البيانات المتاحة عبر الإنترنت واستخدامها المكثف بواسطة الشركات والمؤسسات الحكومية، أصبح من الواضح ضرورة إعادة النظر في الأطر القانونية والحمائية للخصوصية. ففي ظل عدم وجود قوانين محدثة ومتطورة لتلبية احتياجات العصر الحالي، قد يتعرض الأفراد لانتهاكات جسيمة تتعلق بحرمانهم من حقهم الأساسي وهو الاحتفاظ بمستوى مقبول من السرية فيما يخص معلوماتهم الخاصة. لذلك فإن هذا المقال يناقش أهمية تحديث تشريعات حماية الخصوصية لمواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين وضمان حقوق المواطنين المهددة نتيجة للتطور التقني غير المسبوق.
دور التشريع المعاصر في مواجهة المخاطر الجديدة
يُعتبر قانون حماية بيانات الاتحاد الأوروبي عام ٢٠١٦ (GDPR) واحداً من أكثر التشريعات الحديثة شمولاً وأثرًا بشأن حماية الخصوصية. فقد فرض عقوبات شديدة على خرق اللوائح ذات الصلة بنقل وتداول المعلومات الشخصية للمستخدمين داخل حدود الكيان الاقتصادي الموحد لأوروبا. وقد تم تصميم تلك العقوبات بغرض ردع المؤسسات عن الانخراط بأفعال تضر بصالح الغالبية؛ ومن ثم تحقيق توازن مناسب بين مصالح كلا الطرفين: الفرد والشركة. لكن رغم نجاح هذا النهج في تطبيق وعمل نظام مراقبة فعال داخلياً، تبقى هناك حاجة ماسّة لإصدار قواعد مماثلة خارج نطاق منطقة اليورو والتي تغطي جميع الجهات العاملة عالمياً - خاصة وأن معظم الدول العربية تعاني نقصاً واضحاً في الجانب التشريعي الخاص بحماية سرية بيانات مستخدميها.
وتتجلى مشكلة غياب أو ضعف أحكام الوقاية الداخلية للأموال الرقمية بعدد من الأمثلة المثيرة للقلق مثل انتهاكات البرامج الخبيثة لاستهداف حسابات الافراد المصرفيين أو عمليات التصيد الاحتيالي الإلكترونية للحصول على تفاصيل شخصية حساسة كالبطاقات الإئتمانية وكلمات المرور وما شابه ذلك. وفي حالة حدوث هجوم كبير كهذا، يمكن تخريب حياة الشخص المستهدف تماماً، حيث يتم استخدام بياناته المسروقة لشراء منتجات وممارسة أعمال تجارية وهمية تحت اسم المجني عليه الأصلي. ويأخذ الأمر منحى خطيرا للغاية إذا استغل المجرمون هؤلاء البيانات للسعي نحو الانتقام أو إلحاق الضرر بالعائلة والأصدقاء المقربين بناء عليها. وبالتالي فالضغط باتجاه تطوير هياكل قضائية مناسبة أمرٌ ملحٌّ نظراً لما يشكله الوضع الحالي من خطر داهية يتهدد سلام المجتمع بأكمله.
الاستجابة العالمية لحماية الخصوصية
وقد لاحظ المجتمع الدولي مؤخرًا الزيادة الدراماتيكية في حالات تهدد الحقوق المدنية والإنسانية للإنسان عقب تزايد الاعتماد على الشبكة العنكبوتية العنصرية. ولذلك قام العديد من البلدان بتنفيذ حملات توعوية تثقيفية حول كيفية