- صاحب المنشور: غرام البدوي
ملخص النقاش:
في مجتمعات العالم الإسلامي المعاصر، يطرح سؤال تناغم الإلتزام الديني مع المشاركة السياسية نقاشاً حيوياً. هذا الموضوع ليس مجرد جدل أكاديمي، بل هو محك رئيسي يتعلق باتجاهات الحكم والعدالة الاجتماعية والتطور السياسي داخل المجتمعات المسلمة. سنستكشف كيف تحاول ثلاث دول ذات غالبية سكانية مسلمة - تركيا وإندونيسيا وماليزيا - موازنة هذه العلاقة المتوترة في نظمها الحاكمة. كل دولة لديها تاريخ سياسي فريد وغنى ثقافي وتجارب دينية تؤثر على منظورها الخاص حول دور الدين في السياسة.
تركيا: نموذج العلمانية القابلة للتكيف
تركيا، التي كانت مركزا للإسلام المحافظ لعصور عديدة، شهدت انقلابًا كبيرًا نحو العلمانية تحت حكم مصطفى كمال أتاتورك بعد انهيار الدولة العثمانية. المفاهيم التركية الحديثة للدولة كانت تقوم أساسا على فصل كامل بين الدين والدولة. ولكن منذ بداية القرن الواحد والعشرين، بدأ هناك تمدد تدريجي للدور الرسمي للأفكار الإسلامية ضمن السياسات الحكومية بدون الانقلاب الكامل على المنظومة العلمانية الراسخة. حزب العدالة والتنمية التركي، الذي يشكل الحكومة منذ عام ٢٠٠٢، يتمتع بجذور اسلاموية لكنه يدعي بأنه يحكم بموجب القانون ويطبق الشريعة بطرق غير مباشرة عبر التشريع والقوانين المدنية. هذه التجربة فريدة حيث أنها تمثل حالة لم تستطع فيه المؤسسات التقليدية المرتبطة بالعلمانية الاستغناء تمامًا عن التأثير الاجتماعي والثقافي للعقيدة الدينية الشعبية.
اندونيسيا: الجمهورية الإسلامية المعتدلة
اندونيسيا هي أكبر دولة ذات غالبية مسلمة من حيث عدد السكان في العالم وهي معروفة بنظامها الفيدرالي المتمسك بتعاليم الاسلام ولكنه يسعى أيضا للحفاظ على الوحدة الوطنية واحتضان الثقافات المختلفة داخل البلاد. دستور البلاد يكفل حرية العقيدة ويتيح وجود الأحزاب السياسية المبنية على خلفية دينية طالما لم تتصادم مع المبادئ الأساسية للميثاق الوطني الاندونيسي (Pancasila). الرؤساء السابقون مثل محمد رحمان وجوكو ويدودو كانوا جميعهم متدينين علنًا وأظهروا دعمًا قويًا لقضايا الدفاع عن حقوق المسلمين عالميًا بينما يعملون جنبا إلى جنب مع الأقليات الأخرى لتحقيق السلم والاستقرار الداخلي للبلاد. رغم ذلك ، فإن اندونيسيا تعاني أيضًا من تحديات مرتبطة باستخدام قوانين مكافحة الفتنة ضد الأفراد الذين ينظر إليهم بإعتبارهم تهديدا لوحدة البلاد أو نظامها المدني.
ماليزيا: النظام الاجتماعي المقترح للشريعة الإسلامية
في ماليزيا، يحمل تطبيق الشريعة أهميه خاصة بسبب تركيبتها العرقية والثقافية المعقدة والتي تشمل المالاي والسكان الصيني والالهندي وغيرهم ممن يعيشون في سلام نسبي تحت مظلة واحدة. وضع دستور ماليزيا عام ١٩٥٧ واضح بشأن عدم اعتبار أي دين رسميًا دين رسمي للبلاد ولكنّه يسمح بتطبيق بعض أحكام الشريعة حسب المناطق حسب عقائد وتقاليد مختلف الشعوب الأصلية وذلك بناء على طلب منهم . حققت الحكومة الماليزية توازن حساس بين رعاية الهوية الإسلامية العامة وبين احترام خصوصيات الجماعات الدينية الأصغر حجمًا مما أدى لنظام حكم يُلقّب بـ "الإسلام الإنساني" وهو عبارة عن شكل خاص ومتناغم للغاية للاستخدام العملي للقانون الشرعي وفق السياقات الحديثة الخاصة بكل منطقة.
وفي نهاية المطاف، توفر هذه الدراسة نماذج متفاوتة لاستراتيجيات مختلفة اتخذتها البلدان الإسلامية الثلاثة الأكثر سكانا لتحديد طريقة إدارة العلاقات التعيسة نسبيا بين الدين والسياسة الممارس بها حالياً وسط تغيرات اجتماعية واقتصادية وثقافية مستمرة اليوم وغدا.