تواجه المملكة العربية السعودية اليوم تحديًا معقدًا يتعلق باللغة والهوية الوطنية. هذه القضية ليست جديدة ولكنها تحولت إلى نقاش متجدد بسبب التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الجارية. ففي ظل رؤيتها الطموحة "رؤية ٢٠٣٠"، تسعى الحكومة لتعزيز مكانة البلاد عالمياً وتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط، مما أدى لزيادة التدفق الثقافي العالمي والتكنولوجي. هذا الواقع الجديد قد أثّر بطريقة غير مباشرة على دور وعلاقة المواطنين بلغاتهم المحلية والعربية الفصحى.

إحدى أهم اللغات المتداولة داخل المجتمع السعودي هي لهجة نجدية، وهي شكل محلي من اللهج العامية التي تتأثر بلغتي الكنعانية والحميرية القديمة بالإضافة للعربية الفصحى والتركية والفارسية عبر التاريخ. تعتبر هذه اللهجة جزءا أساسيا من الهوية الثقافية السعودية ولعبت دوراً حيوياً في الحفاظ عليها منذ القدم حتى يومنا الحالي.

لكن بعض الأصوات تعارض استخدام اللهجة ضمن سياقات رسمية مثل التعليم أو وسائل الإعلام الرسمية، مؤكدة ضرورة رفع مستوى اللغة العربية الفصحى كوسيلة للتواصل الرسمي والتعليم العالي للحفاظ على الوحدة اللغوية داخل الوطن الواحد وتعزيز الانتماء الوطني الجامع. يدعم هؤلاء البدء بتثقيف الأجيال الشابة على قواعد ومفاهيم اللغة العربية الفصحى منذ الصغر لتجنب أي تنافر محتمل بين مستويات التواصل المختلفة لدى الأفراد.

من الجانب الآخر، يرى آخرون بأن تثبيت مركزية للغة واحدة دون الاعتراف بأهمية اللهجات المحلية سيدفع باتجاه خلق نوع من التقسيم الطبقي اللغوي الذي قد يؤدي لفقدان خصائص ثقافية فريدة للمملكة ويعيق عملية التعلم والإبداع للأجيال الجديدة خاصة وأن فهم السياقات الفنية والأدبية غالبًا ما يتم عبر اللهجات المحلية وليس الفصحى وحدها.

بالإضافة لذلك, تطرق العديد إلى تأثير التطور الرقمي وكلاميات الإنترنت وكيف أنها تنتشر بسرعة بين الشباب سواء كانت مكتوبة أم منطوقة؛ حيث يشكل توظيف المصطلحات والمفردات الخاصة بـ"الإسلاف" (الأصدقاء) والخروج بها خارج حدود الإطار التقليدي للعامية شيء جديد تماماً ويحتاج لمزيد من دراسة وفهم.

لذلك فإن تصميم سياسات وطنية بشأن تنظيم اللغات يستوجب مراعاة الظروف السكانية والعمرية وظاهرة التنوع اللغوي الموجودة فعليا واحترامها بدلاً من تجاهلها لتستمر كجزء حيوي من هويتنا كمجتمع يعيش تحت مظلة وطن واحد لكنه متنوع.