- صاحب المنشور: غازي بن العيد
ملخص النقاش:
في السنوات الأخيرة، شهدنا نقاشًا ملتهبًا بين الخصمين المتزعزعين - العلم والدين - حول مكان كل منهما ومجالهما. يرى البعض أن العلاقة بينهما هي علاقة تضارب وتباعد بينما يؤكد آخرون أنها تتطلب التعاون والتكامل. هذا النقاش ليس جديداً فقد كان موجوداً منذ بداية الحضارات القديمة ولكن أهميته تزداد مع تقدم المجتمع الإنساني نحو المعرفة والثقافة المتنامية.
من جانب المؤيدين للفصل بين الدين والعلوم يأتي ترجيحهم لكون العلم نظام تفكير قائم على الملاحظة والاختبار والإثبات التجريبي، مما يجعل نتائجه قابلة للتغيير والتطور بناءً على الجديدة التي يتم رصدها. أما الدين فهو مجموعة معتقدات وأخلاقيات مستمدة غالباً من نصوص مقدسة غير قابلة للمراجعة أو التأويل حسب هؤلاء. وبالتالي فإن أي محاولة لمواءمة الاثنين ستؤدي إلى تشويه كلا الجانبين. يشير هؤلاء إلى القضايا المثيرة للجدل مثل نظرية التطور حيث تعارض بعض الفئات الدينية هذه النظرية استنادا لأسباب دينية، وهذا يدعم فكرة كون المساحة المعرفية لكل علم مستقلة ومتباينة مع الآخر.
وفي المقابل، هناك فريق يعبر عن وجهات نظر مختلفة تماما. وفق وجهة نظر الفريق المضاد للفكر السابق، يمكن للدين والعلوم أن ينسجمان بطريقة تكاملية وليس بتنافر مطلق. يقول مؤيدو هذا الرأي أنه رغم وجود فروقات جوهرية بين طبيعة العمل والعقلانية الكامنة خلف كلٍّ منهم إلا أنهما يتشاركان هدفا مشتركا وهو البحث عن الحقيقة والمعرفة والسعي لفهم الكون الذي نعيش فيه. إن "التشابك" كما يسمونه هو دليل قاطع على ذلك؛ إذ نجد العديد من علماء المسلمين القدماء الذين كانوا بارزين في مجالي الطب والفلك وغيرها عدة وفي نفس الوقت متدينين وملتزمين دينيا. ويستند المحافظون أيضا إلى الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة والتي تدعو لتدبر خلق الله والاستغراق بمراقبة آياته. فالقرآن نفسه يُطلق عليه وصف الكتاب المبني على حقائق مادية وعلمية واضحة البنان منها قوله تعالى:
هذه الانقسامات والمواقف المختلفة تخلق حالة جدلية دائمة تحتاج لإعادة النظر باستمرار. لكن يبقى الجهد المشترك لتحقيق فهم أكثر شمولا لكيفية تواجد هذين المجالين بصورة متوازنة داخل ثقافتنا الإسلامية هدف نبيل يستحق التركيز عليه. فهناك الكثير من الثراء المحتمل للاستفادة عندما يتم احترام حدود كل مجال والحفاظ عليها. ولن تكون مهمتنا سهلة بالتأكيد وستحتاج جولة متعددة من المناظرات والحوارات المستمرة سعياً لرسم صورة واضحة للعلاقات الصحيحة بين الدين والعلوم.