- صاحب المنشور: كريمة بن مبارك
ملخص النقاش:
في عصرنا الحالي، يجد العديد من الأفراد أنفسهم مضطرين لمواجهة واقع تتداخل فيه المفاهيم الدينية والعلوم الحديثة. وهذا التقاء وتعارض بين القيم القديمة والمعرفة الجديدة يمكن أن يؤدي إلى نقاش عميق حول كيفية توظيف العلم لدعم العبادات والتقاليد الإسلامية أو إذا كان هناك تناقض مطلق بينهما. في هذا السياق، يتعين علينا دراسة كيف يمكن للقراء الإسلاميين موازنة بين تعاليم دينهم واحتياجات العالم الناشئ المستند إلى الأدلة العلمية.
يمكن تقسيم هذه المشكلة المعقدة إلى عدة جوانب فرعية رئيسية:
1) الفهم الصحيح للقرآن والسنة: كثيرًا ما يستخدم بعض الأشخاص الآيات القرآنية والأحاديث النبوية كأساس للرفض المطلق للتكنولوجيا الحديثة أو العلم التجريبي. ولكن يجب التأكيد على أن فهم أي نص ديني يتطلب معرفة باللغة العربية الفصحى، بالسياقات التاريخية والثقافية للنقل الأولي للنصوص المقدَّسة، وبما يُعرف بالنّظر الشرعي الذي يقوم به الفقهاء المتخصصون الذين يحللون الأحكام القانونية بناء على أدلة العقيدة. إن تطبيق نهج نقدي لتحليل النصوص الدينية يساعد المسلم المعاصر لفهم أفضل لكيفية مسايرة التعاليم الإلهية لتطورات القرن الحادي والعشرين.
2) الإسلام كدين شامل وموضوعي: يشجع الإسلام النظر والاستقصاء المعرفي باعتباره فضائل نبيلة. يشير البيان الشهير "ادْرُسُوا العلمَ مِن المهدِ حتى اللَّحد" ([5]) الوارد في الرواية الكبيرة لابن حبان والحاكم وابن أبي الدنيا وغيرها، والذي ينسب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، إلى أهمية التعليم مدى الحياة. وفي الواقع فإن المعلومات التي يتم تحصيلها عبر البحث العلمي تُعتبر عاملاً أساسياً في تحقيق مزايا فقهية معينة مثل الزكاة وإدارة الأموال العامة والأخذ بالأسباب عند طلب المغفرة. عندما ندرك أنّ الدين يدعو بالفعل لاستخدام المنطق والبحث المنظم (كما هو موضح أيضًا في توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين خديجة بنت خويلد حين قال لها ذات يوم وهي تسأل عن سبب الاختلاف الشديد بين الليل والنهار: «إنَّ لهُمَا ربّا واحد»)، تصبح عملية الجمع بين الاعتقاد والدليل أكثر سهولة وأقل احتمالية لإثارة الخوف والكراهية غير الضرورية تجاه طرق جديدة للحصول على الحقائق.
3) التعاون المبني على الاحترام المتبادل: غالبًا ما يحدث تضارب ظاهري بسبب قصور التواصل والفهم المشترك للمفاهيم الأساسية لدى كل طرف مشارك في المناظرة الدينية/العلمية. وقد أدى ذلك تاريخيًا إلى حدوث مواجهات عدائية حيث اعتبر الطرف الآخر مصدر خطر محتمل ضد ثقافته وعلمه. ومن أجل تجنب مثل تلك المواقف المسيسة والمليئة بالتوترات اللازمة، ينبغي العمل بنشاط نحو خلق بيئات تهتم بتقبّل وجهات نظر مختلفة داخل مجتمع يغتنم فرصا مبتكرة للتواصل الثقافي والإنساني بهدف فتح آفاق أكبر للألفة