- صاحب المنشور: عبد الحسيب بن عمر
ملخص النقاش:
في مجتمعنا المعاصر، يواجه المسلمون تحدي تحقيق توازن دقيق بين حرياتهم الشخصية ومطالب المسؤوليات الاجتماعية التي تفرضها دينهم. يعد هذا التوازن أمرًا حيويًا لتعزيز فهم متماسك ومتكامل للشرع الإسلامي. فالإسلام يدعو إلى احترام حقوق الأفراد وتحقيق سعادتهم، ولكن أيضًا يؤكد على أهمية تضامن الأسرة والمجتمع وإعطاء الأولوية لمصلحة الجماعة فوق المصالح الخاصة في بعض الأحيان. هذه الورقة ستستكشف كيفية تعامل الشريعة الإسلامية مع هذين الجانبين المتداخلين وكيف يمكن للمسلمين التنقل فيهما بطريقة تكريم رغباتهم الذاتية وتلبية احتياجات جيرانهم.
الأساس الشرعي
تؤكد القرآن والسنة على كلا جانبَي الحرية والمسؤولية. يقول الله تعالى في سورة الحجرات: "يا أيها الناس
إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"
(الحجرات : ١٣). تشدد الآية الكريمة هنا على أن أساس التمييز بين البشر هو التقوى وليس الوضع الاجتماعي أو العرق.
كما يشير الحديث الذي رواه مسلم (1646) عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف"،
مؤكداً بذلك قيمة القدرة النفسية والجسدية والتي تعتبر جزءاً من الحرية ويجب تطويرها لكن ضمن حدود الشرعية.
التوازن في الممارسة العملية
لتحقيق هذا التوازن العملي، يستطيع المسلمين اتباع الخطوات التالية:
1 - معرفة الحدود الشرعية للحريات الشخصية وعدم تجاوزها. مثل حرية الراحة والاستمتاع بالحياة بمراعاة عدم إيذاء الآخرين أو مخالفة شرائع الدين.
2 - تقدير الاحتياجات الجماعية واحترامها. حيث يتعين على المرء النظر دائماً فيما إذا كانت خطواته تجاه شخصه تتوافق مع مصالح بقية أفراد المجتمع أم أنها قد تضر بهم بشيئ كبير؟ مثلاً ، أثناء جائحة كورونا، كان الواجب الأخلاقي والإنساني والإسلامي يقضى بإلزام الجميع باتخاذ التدابير الوقائية حتى وإن كانوا غير مقتنعين تماماً بأهميتها لأن ذلك يعزز الصحة العامة للمجتمع بشكل عام .
3 - طلب المشورة الدينية المناسبة. يساعد استشارة علماء الدين ذوي الخبرة والعرفان في التعرف بشكل أفضل لكيفية تطبيق العقيدة الإسلامية في الحياة اليومية وفي مختلف المواقف الصعبة خاصة تلك المرتبطة بالحرية مقابل المسؤولية .
وبالتالي فإن بناء حياة مسلمة متوازنة يتطلب توازن بين حق الإنسان بحرية الاختيار وواجبه نحو المجتمع والحفاظ على القيم والأخلاق التي يدعو إليها الدين الاسلامي الحنيف .