في مثل هذا اليوم 14 مايو وفي مثل هذه الساعة تحديدًا قبل عشر سنوات وصلت واشنطن قادمًا من حارة العنوز الشعبية بجنوب الرياض، وبدأت يومي الأول في رحلة الابتعاث في تخصص اللغويات التطبيقية وكل شيء أمامي كان مجهولًا، لغتي صفر، ثقافتي في السفر صفر، معارفي في المكان صفر، إلا الحماس ألف.
أتذكر جيدا ترددي باتخاذ القرار، الخوف من الفشل، ماذا سأقول لأبي وأنا ابنه الأكبر بين ست خوات وقد تحمل عبء غيابي لو فشلت، أتذكر انتظاري صعود الطائرة في مطار الملك خالد والمبتعثين يضحكون ويمزحون وأنا أراقب من بعيد وأتساءل هل بكت أمهاتهم مثل أمي، هل هم واثقون بالنجاح أم غير مبالين؟
عندما وصلت مطار دالاس في واشنطن أخرجت بعض الأوراق التي كتب عليها صديقي الاتيكيت في الرياض أن هذا الكائن اللطيف لا يتحدث الإنجليزية وهو طالب مبتعث ما يدري وين الله حاطه الخ... وبعدما استدعاني ضابط الجوازات للختم على جوازي سألني سؤالًا ومن الربكة ضحكت، فقال:
why are you laughing?
جاوبته yes I love America .. فاستدعى سيدة سودانية تعمل معهم وقالت لماذا قلت "أنا أحب أمريكا" جاوبتها لأنه سألني ماذا تحب، فقالت هو يقول laughing وليس love فشرحت هي له وضحك الضابط فقلت له now laughing .. وبدأت رحلة تعلم اللغة في أمريكا مع هذه الكلمة.
كان النظام حينها مكوث المبتعث يومين في واشنطن لفتح الملف في الملحقية التي تتولى شؤون إقامته حتى يغادر لمدينته الجامعية وكانت وجهتي هي East Lansing في ولاية ميتشغان التي لم أتصور يومًا أنها ستحتضن ذكريات صعبة وفريدة في حياتي، بدايتها بضياع شنطتي اليدوية وفيها جوالي ومحفظة النقود.