- صاحب المنشور: إلياس الشرقي
ملخص النقاش:
تشهد التراث الثقافي العالمي اليوم تهديدًا متزايدًا بسبب مجموعة متنوعة من العوامل المعاصرة التي تتطلب عناية فائقة للحفاظ عليه. وفي هذا السياق، يبرز دور المجتمع الدولي والمؤسسات المحلية والأفراد في مواجهة هذه التحديات الجسام لضمان بقاء كنوزنا التاريخية والحضارية للأجيال القادمة.
أولاً، يعد التوسع العمراني غير المنظم وتغير المناخ من أكبر التحديات التي تواجه التراث الثقافي. فقد أدى النمو السكاني واستخدام الأراضي إلى تدمير المواقع الأثرية والتحولات البيئية الخطيرة مثل الفيضانات والتآكل، مما يشكل خطرًا كبيرًا على معالم ثقافية تاريخية عديدة حول العالم. فعلى سبيل المثال، غرقت العديد من الآثار الفرعونية في مصر بسبب ارتفاع منسوب مياه نهر النيل، بينما تعرضت مدن ساحلية كبرى كالمدينة القديمة في الهند ومدن حوض البحر المتوسط لأضرار جسيمة نتيجة تغير المناخ. لذلك، يتعين اتخاذ تدابير استباقية لحماية هذه المواقع ومنع المزيد من الضرر الناجم عن عوامل الطبيعة المتغيرة.
ثانياً، تعد التجارة غير المشروعة للقطع الأثرية مصدر قلق آخر بالنسبة للتراث الثقافي. إذ تشجع السوق السوداء للمواد الثقافية جنبا إلى جنب مع ازدياد الطلب العالمي على الفن القديم، عمليات سرقة واسعة النطاق وانتحال هوية مقتنيات تاريخية ثمينة. ويؤدي ذلك ليس فقط إلى خسائر اقتصادية كبيرة لكن أيضا لفقدان جزء مهم من الهوية الوطنية والشخصية الفريدة لكل مجتمع ومجتمع محلي. ولذلك، فإن وضع قوانين دولية أكثر صرامة لمكافحة الاتجار غير القانوني بالأغراض التذكارية أمر حيوي لإعادة بعض الأشياء المسروقة وإصلاح الدمار الناجم عنها.
ثالثا، يلعب التحضر دور فعال في تغيير استخدام الأرض والتراث الثقافي المتعلق به. حيث يتسبب تطوير مناطق حضرية جديدة بنشاط بناء مباني جديدة وحدائق عامة وطرق نقل عام مثلا، بتغيير شكل المدن التقليدية وبالتالي تقليل فرص زيارتها أو عدم ذكرها أصلاً لدى الأفراد الحديثين الذين ينمون وسط هذه الكتل الخرسانية الجديدة. وقد يفقد الناس بذلك ارتباطهم بحكايات تراثهم وأصولهم الثقافية إذا لم يتم توثيق وتنظيم أفضل لهذا النوع من الأملاك الفكرية بطريقة علمية وفنية مناسبة.
أخيراً، يمكن اعتبار الحفظ الرقمي حلولا مستقبلية محتملة لتوفير الوصول العام المباشر عبر شبكة الإنترنت للعناصر الحقيقية وغير الملموسة الممثلة لهذه العقارات الخالصة والتي تحكي قصص البشر عبر الزمن. ويمكن أيضا الاستفادة القصوى من البيانات العلمية والتقنيات الحديثة لإنشاء نسخ رقمية ثلاثية الأبعاد عالية الوضوح تسمح بعرض تفاصيل دقيقة للغاية لمنطقة معينة بدون أي ضرر مباشر لها حتى وان كانت خارج نطاق الوصول البشري الحالي. وهذا النهج الإبداعي الجديد سيضمن انتقال معرفتنا والتواصل المستمر بين الشعوب المختلفة بأسلوب مبتكر وعصراني يجسد روح عصر المعلومات الذي نعيش فيه الآن.
في النهاية، يبقى تحقيق هدف الحفاظ على التراث الثقافي مسؤولية مشتركة تستوجب جهودا جماعية ومتعددة الجوانب تشمل الجميع، بدءا بالدولة مرورًا بالعامل الخاصوصولًا للفئات الشبابية ولكل فرد قادرعلى مساهمته مهما اختلفت مجالات اهتماماته وخبراته. فالاستثمار في الحاضر يعني ضمان سلامة موروثات الماضي للاستمتاع بها وتبادلها وتعريفالأجيال المقبلة كيف تجددروح الإنسانية وتطورمجتمعاتها مادامتتحافظ علـي جذور هــذه الش