- صاحب المنشور: رنا الودغيري
ملخص النقاش:
تشكل الثورة الرقمية تحولاً كبيراً في حياة المجتمعات الحديثة، حيث تأتي معها فرص هائلة ومخاطر محتملة. وفي هذا السياق، يواجه المجتمع العربي تحديات فريدة فيما يتعلق بالشمولية الرقمية -أي ضمان الوصول العادل والمستدام إلى التكنولوجيا والمعلومات الرقمية- والتي تعتبر حجر الزاوية للتنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
تبدأ المشاكل المتعلقة بالشمولية الرقمية بالمعدلات المنخفضة لامتلاك الأجهزة الإلكترونية واستخدام الإنترنت بين فئات سكانية معينة داخل العالم العربي. ويذكر تقرير صدر عن الأمم المتحدة عام ٢٠١٩ أنه بينما وصل معدل استخدام الإنترنت عالمياً إلى حوالي ٥٧٪، فإن هذه النسبة تتضاءل بكثير عند النظر إلى الدول العربية؛ إذ تصل لنحو ١٨٪ فقط وفق بيانات منظمة "أليانس فور إنترنت غيكس". ومن المؤسف كذلك أنّ أغلب مستخدمي الإنترنت هم من الذكور مقارنة بالإناث، مما يعزز الفوارق الجندرية القائمة أصلاً.
ومن جانب آخر، تلعب اللغة دورًا محوريًا وسط هذه المعمعة. فاللغة العربية ليست شائعة الاستعمال عبر شبكة الويب العالمي مقارنة بلغات أخرى مثل الإنجليزية والصينية. وهذا يؤدي لانعدام المحتوى الإعلامي الغني باللغة العربية على الشبكة العنكبوتية، وبالتالي يصعّب الحصول على المعلومات والمعارف اللازمة لتأسيس فهم عميق للتكنولوجيات الجديدة وتطبيقاتها المختلفة. وعلى الرغم من وجود مجموعة متنامية من المواقع والبرامج التعليمية بلغتنا الجميلة إلا أنها مازالت غير كافية لفهم كافة جوانب التقنيات الناشئة حديثا كالذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وغيرهما الكثير.
إلى جانب ذلك، تواجه بعض المناطق الريفية والنواحي الفقيرة ضعف البنية التحتية الضرورية لضمان اتصال فعَّال بشبكات التواصل الاجتماعي والتبادل التجاري عبر الانترنيت. وقد يساهم محدودية تغطية خدمات الاتصالات المحلية والعالمية بإرساء حاجز آخر أمام تحقيق العدالة الاجتماعية التي تطمح لها الحكومات والشعوب العربية جميعا.
إن التعامل مع هذه التحديات يتطلب حلولا شمولية تشمل تعزيز سياسة حكومية ذكية لدعم نشر الثقافة الرقمية وتعليم مهارات المستقبل الأساسية للأجيال الصاعدة. كما ينبغي العمل نحو بناء نظام بيئي رقمي شامل يضم كل قطاعات المجتمع بما فيه النساء والأطفال وكبار السن وذوو الاحتياجات الخاصة أيضا. ويتعين علينا أيضا التشديد على أهمية دعم مبادرات القطاع الخاص العاملة على إنتاج المزيد من المضامين المرئية والمسموعة والكتابية باللغة العربية لمواجهة الطلب الكبير عليها المتوقع حدوثه خلال الأعوام القادمة. أخيرا وليس آخرا، يستوجب الأمر جهدا مشتركا من قبل الأفراد والمؤسسات الأكاديمية والحكومات لإيجاد الحلول المناسبة لهذه المعضلة المطروحة تحت مظلة الشمولية الرقمية.