- صاحب المنشور: فتحي الدين الشهابي
ملخص النقاش:
في قلب الحضارة الإسلامية تبرز قيم العدل والاحترام المتبادل باعتبارها ركائز أساسية لتماسك المجتمع. وقد كرس القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة جهودهما لحماية حقوق الأفراد وتأكيد مساهمتهم بغض النظر عن جنسهما أو أصلهما الإثنيّ. فعلى سبيل المثال، يشدد الآية القرآنية "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى" على الوحدة البشرية الأساسية والتساوي الروحي والمعنوي لكل فرد أمام الله تعالى.
تتمثل المساواة في الإسلام أساساً في التوجيه الأخلاقي المشترك للرجال والنساء نحو أداء واجباتهم الدينية والمدنية بأمانة وإخلاص. ويتجسد هذا في مسؤوليات كل جنس تجاه الآخر؛ فالرجل مكلف برعاية أسرته مادياً وعاطفياً، بينما تحمل المرأة ثقل التربية والمشاركة الاقتصادية ضمن نطاق البيت حسب الخيارات الشخصية والظروف الاجتماعية. لكن هذه الأدوار ليست جامدة ولا تعوق حرية الاختيار الفردية طالما أنها تتوافق مع القيم الأساسية للإسلام.
وعلى الرغم مما قد توحي به بعض الاتجاهات الثقافية التقليدية بشأن دور المرأة، فإن التاريخ الإسلامي مليء بالأمثلة التي تؤكد قدرتها على شغل المناصب العامة والإسهام بشكل فعال في مختلف مجالات الحياة. فعلى مدى قرون استطاعت النساء تمثيل مجتمعهن سياسيا وفكريا وأداريًا، كما شهدنا ذلك عبر شخصيات بارزة مثل الناشطة والكاتبة الأندلسية فاطمة الفهرية ومفتية القرن الثامن الهجري عائشة البهية وغيرهما الكثير ممن ترك بصمات واضحة في تاريخ الإنسانية. إن فهم الحقائق الكامنة خلف المفاهيم المبهمة لدور الجنسين داخل المجتمع الإسلامي يتطلب الغوص عميقًا لفهم نصوص الشريعة المقترنة بالظروف المرافقة لها والتي تشكل السياقات الخاصة بها. ولعل أهم عامل هنا يتمثل باستيعاب روح التشريع الإسلامي الذي يدعو إلى التحلي بالحكمة والمصلحة العامة عند تطبيق الأحكام الشرعية وفق اجتهاد علماء الفترة المعاصرة للحفاظ على تماسك المجتمع وتعزيز رفاهيته المستدامة. وفي نهاية المطاف فإن تحقيق العدالة والمساواة بين جميع أفراد الوطن الواحد يشمل تحسين ظروف العمل وتحقيق فرص متساوية التعليم والحصول على الخدمات الضرورية الأخرى بالإضافة للتغلب على الصور النمطية القديمة المرتبطة بالجنسين لتحرير القدرات الهائلة لدى الجميع وبناء مستقبل أفضل للأجيال الصاعدة.