الحمد لله، الاتفاق على سعر العملة مع تأخير التقابض يقع على صورتين: الأولى، أن يكون الأمر مجرد مواعدة غير ملزمة، حيث يتم الاتفاق على تقريب الأمر ومعرفة السعر المتوقع، ولا يتم عقد الصرف الجازم إلا عند حضور المالين. وفي هذه الحالة، لا حرج في ذلك. قال الشافعي رحمه الله: "وإذا تواعد الرجلان الصرف: فلا بأس أن يشتري الرجلان الفضة ثم يقرانها عند أحدهما حتى يتبايعاها، ويصنعا بها ما شاءا" (الأم 3/32).
أما الصورة الثانية، فهي أن يكون هذا اتفاقا ملزما أو مواعدة ملزمة، ويتأخر تسليم البدلين أو تسليم أحدهما. فهذا يعتبر ربا محرمًا، لأن شرط تبادل العملات هو التقابض في المجلس. وقد ورد في الحديث الشريف عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضي الله عنهما: "كنا تاجرين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصرف، فقال: إن كان يدا بيد فلا بأس، وإن كان نسيئة فلا يصلح" (البخاري 2060 ومسلم 1589).
كما أكدت فتاوى اللجنة الدائمة على عدم جواز بيع وشراء العملات بعضها ببعض إلا إذا تم التقابض في مجلس العقد. فإذا كانت من جنس واحد، فلا بد من التماثل مع التقابض. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ، ولا تُشِفُّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الوَرِق بالوَرِق [أي : الفضة] إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز". فدل قوله عليه الصلاة والسلام: "ولا تبيعوا منها غائبا بناجز" على اشتراط التقابض في مجلس العقد، وعدم صحة بيع الخيار.
وبناءً على ذلك، فإن الاتفاق على سعر الصرف مع تأخير التقابض لمدة ثلاث ساعات أو أكثر يعتبر من الربا المحرم، ما لم يكن مجرد مواعدة غير ملزمة. والله أعلم.