- صاحب المنشور: إحسان الدرقاوي
ملخص النقاش:
تعد مسألة التوازن بين الحفاظ على التقليد والحاجة للتحديث أحد المواضيع المركزة في الفكر الاجتماعي والإسلامي. يظل هذا النقاش حيويا خاصة في عصرنا الحالي حيث تواجه الشعوب اختبارا متزايدا لتقييم دورها التاريخي والثقافي مع الاستجابة للمستجدات المعاصرة التي فرضتها الثورة الصناعية والمعلوماتية. إن فهم هذه المسألة يتطلب دراسة عميقة للأحداث والمفاهيم المتغيرة داخل وخارج العالم الإسلامي لفهم أفضل لكيفية تقارب الماضي والحاضر بطريقة تعزز تقدم البشرية وتضمن استمرارية القيم الإسلامية الأساسية.
في العديد من الثقافات الإسلامية، يشكل الإرث القديم جزءا أساسيا من الهوية الوطنية والعصبية الدينية. تتجلى قوة الروابط الاجتماعية والنظام الأخلاقي عبر كتب مثل القرآن والأحاديث النبوية الشريفة والتي توفر إطاراً للحكم والقيم. بينما تثير تحديات العصر الحديث تساؤلات حول مدى قدرة هذه الرموز التقليدية على مواكبة التحولات الجذرية في مجالات الاقتصاد، السياسة، التعليم وغيرها، فإن التعامل بحكمة مع هذا الأمر أمر حيوي لأبناء الأمة اليوم.
تعكس نماذج تاريخية عدة كيف تمكن مجتمعات مختلفة من دمج عناصر جديدة ضمن خلفية ثقافية وثقيلة بالتقاليد. مثالا على ذلك الصين الحديثة التي حافظت بقوة على هويتها وأعادت تشكيل اقتصادها بطرق مبتكرة مستخدمة تراثها الغني كقاعدة للاطلاع والاستشراف نحو المستقبل. وعلى الرغم من اختلاف السياقات السياسية والدينية بشكل كبير عن الوضع العربي والإسلامي، إلا أنه يمكن الاكتساب من طرقها لاستيعاب الأفكار الجديدة دون تنازل عن جوهر الانتماء إلى الذات.
إن عملية إعادة النظر فيما يفيد ويضر بالاستمرار بالحفاظ أو بتغيير الممارسات القائمة قد تكون مؤلمة ومربكة بالنسبة للبعض. لكن تبنى منهج التأمل الذاتي ينبع من اعتقاد راسخ بأن دين الإسلام دين عقلانية وفقه الواقع؛ فالإمام ابن تيمية رحمه الله كان يؤكد دوما أهمية الاجتهاد والمراجعة لكل جيل بناءً على ظروفه الخاصة واحتياجات عصره. وبالتالي، فإن البحث العملي عن كيفية تحقيق العدالة الاجتماعية والرخاء والفلاح وسط عالم شديد الديناميكية يستدعي قبول وجود حلول جديدة تمامًا كما فعل الصحابة رضوان الله عليهم حين أجتهدوا لوضع أحكام شرعية لشؤون لم تكن موجودة قط أثناء حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولكن برزت بعد وفاته الكريم.
وفي ظل التوجه العام للتحرر العالمي ومنطق السوق الرأسمالي الذي يغزو حتى أكثر المناطق محافظة بالعالم الإسلامي، تبدو ضرورة تطوير نظرية اجتماعية اسلامية قائمة تحقق التنمية الاجتماعية والثورية المستدامة أمراً محتماً إذا اردنا تجنب الوقوع فريسة لما يسمى "نقص نموذجي". وهذه العملية تتطلب مشاركة واسعة للفلاسفة الاجتماعيين والشباب المثقف والشرائح الأخرى ممن لهم القدرة المؤمنة بالفعل بإمكان تطبيق رؤية شاملة شمولية لحياة العرب والمسلمين تستند لقضية الوحدة الإنسانية والمبادئ الكونية الجامعة للإنسان كافة .
من منظور قرآنى، يدعونا الله عز وجل لاتباع نهج الاعتدال والصبر فى قول رب العالمين:"