- صاحب المنشور: العرجاوي الصقلي
ملخص النقاش:
تظل علاقة الدين بمختلف جوانب الحياة في المجتمع الحديث محور نقاش واسع ومفصل. إن فهم هذه العلاقة يعكس مدى قبول المجتمع لتوجيهات دينه وتأثيرها على تفاعلات أفراده اجتماعيًا وعلميًا وثقافيًا واقتصاديًا وغيرها. يشكل الإسلام، كدين عالمي متعدد الثقافات والمدارس الفكرية، حالة فريدة في هذا السياق حيث يمتلك تراثًا غنيًا وشريعة شاملة تضم تعاليم وقوانين وردت نصًّا في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بالإضافة إلى اجتهادات الفقهاء عبر التاريخ.
في ظل المجتمع الحديث الذي يتجه نحو العالمية وانفتاح أكبر على العالم الخارجي، تواجه المسلمين تحديات كبيرة فيما يتعلق بتفسير دينهم ضمن إطار القيم الأخلاقية والمعايير الاجتماعية المتغيرة باستمرار. فمن جهة هناك الحاجة الملحة للمحافظة على الهوية الدينية والثوابت الإسلامية التي تشمل الأحكام الشرعية والقيم الروحية والأخلاقية؛ ومن الجهة الأخرى الضرورة القصوى للتكيف مع تطورات الزمان واحتياجات الناس المعاصرة لضمان اندماج فعال وعدالة واستقرار مجتمعي. ويتوقف نجاح أي مساعي لإحداث تغييرات ثقافية واجتماعية عميقة على قدرة الأمة المسلمة على تحقيق نوع من الاتزان المنشود يسمح بها بجمع بين ثبات العقيدة والدين وبين مرونة النظام الاجتماعي والسياسي والسلوكي.
ويمكن تتبع جذور الانشغال بهذا الموضوع عبر تاريخ الدعوة والإصلاح الديني منذ ظهور التشيع ثم بعد ذلك حركة الإمام محمد بن عبد الوهاب وانتشار دعوته للإسلام الصحيح المبني على الكتاب والسنة وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم. وقد استمر اهتمام العديد من المفكرين والحكماء المسلمين بالمسائل ذات الصلة كالشيخ محمد عبده وابن باديس وابن عاشور والعفيف التطاوي وغيرهم ممن سعوا للحفاظ على جوهر إيمانهم الأصيل وتعاليمه المقدسة مع العمل جاهدين لتحديث مفاهيم العبادات والمعاملات بما ينسجم ومتطلبات العصر ويحقق مصالح البشر وينمي تقدم الأمم.
ومن أهم الأسئلة الرئيسية المطروحة هنا حول كيفية التعاطي مع مستجدات الواقع الحالي وكيفية استخدام الأدوات العلمية الحديثة مثل الطب والصناعة والنقل المعلوماتي...إلخ بدون الوقوع في مخالفات شرعية أو تأثر بقيم دخيلة ضارة. وهنا يأتي دور علماء الدين المؤثرين الذين يعملون جنبا إلى جنب مع خبراء الاجتماع والفلاسفة لمناقشة نقاط الالتقاء والازدواج المحتملة وإيجاد حلول عملية توافقية ترتكز أساسًا على أحكام الشارع الرباني وعلى احتياجات الإنسان البديهية المعيشية وغيرها بهدف بناء مجتمع أكثر انسجاما وفائدة لكل فرد فيه قادرعلى تقديم أفضل إسهاماته الشخصية والجماعية بإذن الله سبحانه وتعالى .