قال الأصمعي: خرجت أنا وصديق لي إلى البادية، فضللنا الطريق،
فإذا نحن بخيمة عن يمين الطريق،
فقصدناها، فسلمنا،
فإذا امرأة ترد علينا السلام.
قالت: ما أنتم؟
قلنا: قوم ضالون عن الطريق، أتيناكم فأنسنا بكم،
فقالت: يا هؤلاء ولو وجوهكم عني، حتى أقضي من حقكم ما أنتم له أهل، ففعلنا،
فألقت لنا مسحًا،فقالت: اجلسوا عليه إلى أن يأتي ابني.
ثم جعلت ترفع طرف الخيمة وتردها، إلى أن رفعتها، فقالت: أسأل الله بركة المقبل، أما البعير فبعير ابني، وأما الراكب فليس بابني،
فوقف الراكب عليها، فقال: يا أم عقيل، أعظم الله أجرك في عقيل !
قالت: ويحك! مات ابني؟
قال: نعم،
قالت: وما سبب موته؟
قال: ازدحمت عليه الإبل، فرمت به في البئر،
فقالت: انزل فاقض ذمام القوم،
ودفعت إليه كبشًا، فذبحه وأصلحه، وقرب إلينا الطعام، فجعلنا نأكل ونتعجب من صبرها!
فلما فرغنا، خرجت إلينا وقد تكورت، فقالت: يا هؤلاء، هل فيكم من أحد يحسن من كتاب الله شيئًا؟
قلت: نعم،
قالت: اقرأ من كتاب الله آيات أتعزى بها،
قلت: يقول الله عز وجل في كتابه :
﴿وَبَشِّرِ الصّابِرينَ الَّذينَ إِذا أَصابَتهُم مُصيبَةٌ قالوا إِنّا لِلَّهِ وَإِنّا إِلَيهِ راجِعونَ أُولئِكَ عَلَيهِم صَلَواتٌ مِن رَبِّهِم وَرَحمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ المُهتَدونَ﴾
قالت: آلله، إنها لفي كتاب الله هكذا؟
قلت: آلله، إنها لفي كتاب الله هكذا!
قالت: السلام عليكم،
ثم صفت قدميها، وصلت ركعات،
ثم قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون،
عند الله أحتسب عقيلاً "تقول ذلك ثلاثًا"،
اللهم إني فعلت ما أمرتني به، فأنجز لي ما وعدتني.
? عيون الحكايات لابن الجوزي