- صاحب المنشور: الهيتمي الأندلسي
ملخص النقاش:
مع تزايد الاعتماد العالمي على الأجهزة الذكية والإنترنت، أصبح مصطلح "الإدمان" مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالاستخدام المتكرر للتكنولوجيا الرقمية. يشكل هذا الموضوع تحدياً اجتماعياً وفردياً متعدد الجوانب يتطلب فهماً عميقاً لكيفية عمل الدماغ البشري وكيف تؤثر عليه العوامل البيئية والتكنولوجية الحديثة.
أولاً وقبل كل شيء، يعكس إدمان التكنولوجيا تغيرات حقيقية في بنية الدماغ. دراسات كثيرة أكدت على قدرة الدوبامين - الناقل العصبي المرتبط بالإثارة والمكافأة لدى الإنسان - على الارتباط بمستويات الاستخدام المكثف للأجهزة الإلكترونية. عندما يواجه الفرد التحفيز المتكرر مثل الرسائل المنبثقة أو التنبيهات الاجتماعية، ينتج دماغه كميات أكبر من الدوبامين، مما يؤدي إلى حالة تشبه "العادة"، حيث تصبح هذه الأنشطة مطلوبة بشدة لتحقيق مستويات مشابهة من الراحة والسعادة التي حصل عليها سابقاً.
يتخذ هذا النوع من الادمان أشكال مختلفة. قد يتعلق الأمر بإضاعة الوقت غير المقصد به بينما يستمتع الشخص بالتواصل الاجتماعي عبر الإنترنت، أو ربما بتسلط التركيز المستمر نحو العمل باستخدام الحاسوب حتى بعد انتهاء ساعات العمل الرسمية. يذكر العديد من الخبراء أيضاً تأثير شبكات التواصل الاجتماعي تحديداً، حيث يمكن للمستخدم رصد ردود فعله باستمرار، وهو أمر يدفع للمزيد من المشاركة والإنتاج لمحتوى جديد بغرض جذب المزيد من الانتباه.
ثانياً، تعد ظروف الحياة المعاصرة عاملاً مهماً آخر يساهم في نشر ادمان التكنولوجيا. يتمتع مجتمعنا الحديث بسرعة عالية ومتطلبات دائمة للفاعلية والكفاءة، وقد أصبح الوصول الفوري للمعلومات والأخبار جزءا أساسيا من ذلك. ومع ذلك، فإن القدرة الثابتة لتمكين نفسها ذاتياً عن طريق الهاتف المحمول وغيرها من الأدوات التقنية قد أدت أيضا إلى زيادة الضغط النفسي والعزلة الاجتماعية عند البعض.
على سبيل المثال، غالباً ما تكون عمليات الشراء والشحن والتوصيل وإدارة الأعمال اليومية ممكّنة تماماً من خلال التطبيقات والبرامج المختلفة؛ وهذا يعني أنه ليس هناك حاجة لأي زيارة شخصية للسوق أو المصرف أو مكتب الخدمة الأخرى. يبدو أن هذا الترخيص الجديد للاستقلال الذاتى مفيد ولكنه قد يحمل أيضًا ثمنًا باهظًا إذا تم استخدامه بطريقة مسرفة ومبالغة فيه. إن فقدان القدرة البشرية الأساسية للتفاعلات الشخصية وجهًا لوجه يعد أحد المخاطر الكبيرة هنا.
ثالثًا، تطرح القضية الأخلاقية الخاصة بـ "اعتماد الأطفال الصغار على التكنولوجيا". وبينما يعترف الجميع بفوائد المحتوى التعليمي المتاح لهم الآن، إلا انه يوجد مخاوف جدية حول آثار التعرض المبكر لفترة طويلة لهذه الوسائط الجديدة على نموهم العقلي والجسماني والنفساني ككل. الدراسات الحديثة أشارت إلى تأثيرات محتملة تضمنت ضعف المهارات اللغوية والحركية بسبب قضاء وقت طويل أمام شاشة الكمبيوتر مقارنة بألعاب خارج المنزل والتي تتطلب حركة جسدية وتفاعلا بين الأشخاص.
وفي النهاية، فإن فهم أهمية مواجهة مشكلة إدمان التكنولوجيا يتطلب نهجًا شاملاً. فهو يتضمن الاعتراف بأن العلم منقسم حول تعريف "الادمان". فبينما يعتبر بعض علماء النفس أنها مجرد عادة مؤقتة قابلة للفطم تدريجياً، يصنّف آخرون تلك الحالة ضمن قائمة اضطرابات الصحة العقلية الخطيرة والتي تستوجب العلاج الاحترافي. وعلى أي حال، يبقى مفتاح الحل يكمن في تحقيق توازن متوازن في استخدام الأجهزة الإلكترونية مع الحفاظ على روابط اجتماعية صحية وتعزيز النشاط البدني المنتظم وتحسين إدارة الوقت للحفاظ على حياة مستقرة وعقلانية بالتزامن مع توظيف تكنولوجيا المعلومات لتلبية الاحتياجات الإنسانية الرئيسية وليس العكس.