- صاحب المنشور: كمال بن عزوز
ملخص النقاش:
مع تزايد اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاتها المتعددة في مختلف المجالات، يبرز قلق متنام حول تأثير ذلك على خصوصية الأفراد. يشكل هذا الموضوع تحديًا كبيرًا حيث يسعى العالم للحفاظ على مزايا التقنية الرقمية مع ضمان حماية الحقوق الأساسية للمواطنين. يتناول هذا المقال كيف يمكن تحقيق توازن دقيق يسمح بالابتكار التكنولوجي بينما يحافظ أيضًا على الحدود التي تضمن سلامة البيانات الشخصية واستمرار الثقة العامة في استخدام هذه التقنيات.
تُعد القدرة الفائقة للذكاء الاصطناعي على تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة وكفاءة مصدر قوة واقتصاد ذكي؛ إلا أنها أيضا تشكل مخاطر كبيرة فيما يتعلق بانتهاكات الخصوصية المحتملة. ففي حين تعمل الشركات الناشئة والمؤسسات الكبرى على تطوير نماذج وتعليم آليات التعلم الآلي لتحسين جودة الخدمات والاستشارات المقدمة، فإن جمع وتحليل بيانات المستخدم قد يؤدي إلى تعرض المعلومات الحساسة لخطر التسرب أو الاستخدام غير المصرح به.
تلعب دوريات التشريعات المحلية والدولية دوراً محوريًا هنا. فعلى سبيل المثال، Directive on the Protection of Natural Persons with regard to Processing of Personal Data and on the Free Movement of Such Data (1995/46/EC)، المعروف اختصاراً بقانون الخصوصية العام الأوروبي GDPR، حدد مجموعة شاملة ومتطلبة من القواعد المنظمة لإدارة البيانات الخاصة والأمان الإلكتروني عبر الاتحاد الأوروبي. ويفرض غرامات باهظة لأية انتهاكات بالإضافة إلى التزامات قانونية صارمة بحماية حقوق الأشخاص الذين يخضعون لهذه اللوائح. ولكن رغم أهميتها الواضحة، فقد واجه القانون بعض الانتقادات بسبب تعقيده وعدم تناسب حجم العقوبات المفروضة مع الجرائم المرتكبة أحياناً.
ومن منظور آخر، طورت الحكومات الوطنية مثل الولايات المتحدة الأمريكية ولندن سياساتها وأنظمتها لحماية الأمن السيبراني الخاص بها ضد أي تهديد محتمل للخصوصية نتيجة تطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وفي المقابل، تعتمد دول أخرى نهجا أكثر مرونة ويتسم بتفويض سلطات أكبر للجهات ذات العلاقة لتحديد أفضل الطرق المناسبة لحفظ سرية البيانات وفوائد الدمج بين مجالات العمل المختلفة باستخدام الذكاء الصناعي.
دور المجتمع المدني والجماعات الحقوقية مهم أيضاً. فهي تتابع مسائلة السلطات المحلية بشأن مدى كفايتها في وضع القوانين اللازمة لمنع سوء استغلال الأجهزة الذكية وصناعة القرار المستندة إليها بصورة غير أخلاقية. كما يشجع خبراء ومختصون بالحوسبة وغيرهم المهتمين بنظم الكمبيوتر والعلاقات البشرية باتباع نهج شامل للتوجيه الأخلاقي أثناء عملية التصميم والبناء لنظم وبرامج ذكية جديدة لمنع وقوع أي خسائر مدمرة مستقبلاً.
إن مفتاح حلّ المشكلة يكمن في تبني مقاربات مؤسسية تستجيب بطريقة تكاملية لكل جانب من جوانب العملية. وهذا يعني ضمان وجود هياكل تنظيمية داخل المؤسسات توفر الشفافية والحماية لمستخدمي النظام بما في ذلك انتظام مراجعة سياساته وإجراءاته بشكل روتيني إضافة لاستشارة الخبراء الخارجيين المؤهلين تأهيلا عاليا عند اقتضاء الأمر.
وفي النهاية، يبقى توازن حساس بين تقدّم العلم وآثاره الاجتماعية مطلبا أساسيا لبقاء ثقافة مجتمع مدني حر ومسؤول تجاه نفسه وعالمه المحيط. لذلك يجب التأكد باستمرارية من ضرورة وجود قوانين واضحة وحدود ملزمة للقاصي والداني تساهم بإحداث نقلة نوعية نحو عالم رقمي أكثر عدالة وأقل عرضة للإساءة وانتهاكات حق الأفراد.