- صاحب المنشور: هبة الريفي
ملخص النقاش:
في عصر يتسم بالتكنولوجيا المتقدمة والمعلوماتية الشاملة، يرتفع حوار عميق حول دور التعليم داخل المجتمع. فهل الهدف الرئيسي للتعليم هو تعزيز المساواة وتوفير فرص متساوية لكل أفراد المجتمع لتحقيق رؤاهم وأهدافهم، مما يشكل جزءاً أساسياً من مبادئ العدالة الاجتماعية؟ أم أنه أداته لبناء تراتبية اجتماعية جديدة، حيث يحصل البعض على مزايا أكبر بسبب مستوى وصولهم إلى نوعية معينة من التعليم؟ هذه المناقشة ليست مجرد نقاش عقائدي، بل لها آثار سياسية واجتماعية عميقة تشكل مستقبلنا المشترك.
تُعد نظرية "الاستحقاق" واحدة من المحاور الرئيسية لهذا الحوار. تقترح فكرة الاستحقاق أن الفرص يجب أن تُمنح وفقاً للأداء الشخصي والجهد المبذول وليس بالضرورة حسب الخلفية الاقتصادية أو الاجتماعية. هذا يعني أن الأفراد الذين يعملون بجهد أكبر ويحرزون نتائج أفضل يستحقون مكافآت وامتيازات أعلى. لكن هل يمكن تطبيق هذا المنطق بطريقة عادلة عندما نعلم بأن الوصول للموارد التعليمية غالبًا ما يتم تحديدها بواسطة العوامل الخارجية مثل الوضع الاجتماعي والمستوى الاقتصادي للعائلة؟ في العديد من البلدان، هناك فارق شاسع بين المناطق الغنية والفقيرة فيما يتعلق بالمرافق التعليمية وجودتها. لذلك، قد يؤدي الاعتماد الكلي على مبدأ الاستحقاق إلى ترسيخ عدم المساواة بدلاً من التغلب عليها.
ومن جهة أخرى، يدافع بعض المؤيدين لفكرة التعليم كوسيلة لتشييد الطبقات الجديدة عن ضرورة تمكين نخبة من المواهب لممارسة القيادة والإدارة الفعالة للاقتصاد والمجتمع. بحسب وجهة نظرهم، إن منح الامتيازات لأفضل الطلاب ليس غير عادل وإنما هو استثمار طويل الأجل لصالح الجميع لأنه يعزز تقدم البلاد اقتصاديا وفكريا. ولكن هنا يكمن الخطر المحتمل: إذا تحولت هذه النظرية إلى واقع باتباع سياسات جامدة تخنق أي محاولات لتنويع وتعدد الثقافة والمعرفة، فقد تصبح آلية لإنتاج طبقة محدودة ذات امتيازات خاصة بينما تبقى البقية خارج نطاق التأثير والتطور.
للتعامل مع هذه القضية المعقدة، ينبغي النظر باستفاضة أكبر في مفهوم "العدالة التربوية". هذا المصطلح يشير إلى الحق الشرعي الأساسي الذي يتمتع به جميع الأطفال للحصول على تعليم ذو جودة عالية بغض النظر عن خلفياتهم. تتضمن العدالة التربوية تقديم دعم خاص للأطفال المنحدرين من مناطق فقيرة أو تلك التي تواجه تحديات لغوية وثقافية كبيرة حتى يتمكنوا من اللحاق بركب زملائهم ممن لديهم موارد أكثر توفرًا. كما أنها تؤكد أيضاً على أهمية تعميم قيم التسامح والحوار بين مختلف الثقافات والأديان ضمن المناهج الدراسية وذلك بهدف خلق مجتمع متماسك ومتنوع ثقافيًا.
مع ذلك، يبقى جانب مهم آخر وهو قدرة نظام التعليم نفسه على التحولات والتكيف المستمر. فالأنظمة التعليمية التقليدية والتي تعتمد بشكل كبير على الاختبارات الموحدة وغرس المعلومات بصورة روتينية قد لا تكون فعالة تمامًا لتحقيق هدف التقدم المجتمعي الشامل. ربما حان الوقت لاستكشاف نماذج تعليمية مبتكرة تقوم ببناء مهارات حل المشاكل واتخاذ القرار لدى الطلاب بالإضافة لتشجيع الإبداع