- صاحب المنشور: حسين المقراني
ملخص النقاش:
في ظل تقدم العالم نحو المزيد من العولمة والتحرر الاجتماعي، يطرح المجتمع الإسلامي اليوم تحديات كبيرة بشأن كيفية تحقيق توازن دقيق بين حقوق الإنسان والحريات الفردية وبين الضوابط التي تفرضها الشريعة الإسلامية. إن هذا الموضوع ليس مجرد نقاش فلسفي، بل هو قضية ذات أهمية عملية تتعلق بكيفية بناء مجتمع متماسك يحترم الدين والقيم المشتركة مع الحفاظ على الخصوصيات الفردية وحماية الحقوق الأساسية للأفراد.
أولا، يتعين علينا فهم السياق التاريخي للمسلمين المعاصرين الذين يعيشون في عالم متعدد الثقافات والتقاليد الدينية المختلفة. فالإسلام يدعو إلى العدالة واحترام حقوق الآخرين (عدل) وكذلك حماية حرية العقيدة (الحرية الدينية). يشمل ذلك احترام معتقدات وأديان غير المسلمين ومعاملتهم بعدل وإنسانية. كما يؤكد القرآن الكريم على حرمة النفس الإنسانية: "لاَ يَسْتَوِي الْقَارِعُونَ وَالْمُقِيمُونَ" (36/21)، مما يعني ضرورة تعزيز حياة كريمة لكل البشر بغض النظر عن انتماءهم الديني أو الجنس أو القبيلة.
ثانيا، ينبغي التأكيد على الطبيعة المتكاملة للحقوق والحريات الفردية في ضوء التشريعات الإسلامية. تشجع الشريعة المسلمة أفرادها على طلب العلم والمعرفة والمشاركة الفاعلة في الحياة الاجتماعية والثقافية. وقد أكد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم على قيمة التعليم والإبداع عندما قال: "طلب العلم فريضة على كل مسلم". علاوة على ذلك، فإن الحرية الشخصية محمية ضمن نطاق الضوابط الأخلاقية والدينية حيث تحظر الشريعة بعض الأفعال مثل الزنا وشرب الخمر وتشجيع الكذب والخيانة.
لكن كيف يمكن الجمع بين هذه الضوابط ومتطلبات عصرنا الحالي؟ هنا تكمن حاجتنا لفقه مستنير يستوعب تطورات الحياة الحديثة دون المساس بأصول ديننا. فعلى سبيل المثال، بينما تدافع الحداثة عن حق المرأة في العمل خارج المنزل، فإن الإسلام يسمح بذلك بشرط مراعاة حدود الحجاب والعفة وعدم التعرض لمخاطر اجتماعية محتملة قد تهدد كيان الأسرة والأطفال. وهكذا، فإن أي حديث حول حقوق الإنسان والحريات الفردية داخل المجتمع الإسلامي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الإطار الشرعي الذي يقوده الكتاب والسنة ولا يفصلهما.
بالإضافة لذلك، يلعب دور الدولة دوراً محورياً في تنظيم العلاقات الاجتماعية وضمان تطبيق القانون وفقًا لتعاليم الإسلام. وفي الوقت نفسه، تحتاج المؤسسات الحكومية إلى سياسات تضمن مشاركة الجميع دون تمييز وتعزيز ثقافة الاحترام المتبادل والتفاهم بين مختلف الطوائف والفئات السكانية سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين. ومن المهم أيضًا أن تعمل الحكومة على تهيئة بيئة مناسبة لتطور الأفراد وتحفيز مهاراتهم ومواهبهم بطرق تحقق مصالح العامة بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية.
وفي النهاية، يتوجب التأكيد مجددًا على أهمية التنوير الذاتي لدى الفرد المسلم كي يتمكن من مواجهة التحديات المعاصرة بإدراك عميق لأحقيته الروحية والإنسانية. فبالعلم والمعرفة والتقوى، سيستطيع المسلمون الدفاع بحزم عن تراثهم الغني وتمتين روابط مجتمعاتهم الوثيقة بممارسة حقوقهم بحرص وعقلانية وبغرض خدمة المجتمع والدفاع عنه ضد الانحراف