- صاحب المنشور: فضيلة الشريف
ملخص النقاش:
تغير فهمنا لعلم الوراثة خلال العقود القليلة الماضية بشكل كبير بفضل التطورات المتسارعة في تقنية الحمض النووي. هذا التحول الرقمي للبيولوجيا قد أدى إلى ولادة فرع جديد وهو "علم الوراثة الجزيئية" الذي يدرس التركيب الكيميائي للحمض النووي وكيف يؤثر تخطيط جيناته بشكل مباشر على ظهور الأمراض والصفات الوراثية. هذه المعرفة الثاقبة غدت حجر الأساس في تطوير العلاج الطبي الشخصي أو كما يُطلق عليه أيضاً طب المستقبل.
في الماضي، كان التشخيص والعلاج يتبع نهجاً واحداً ينطبق عادة على الجميع. لكن الآن، مع تقدم العلم، أصبح بإمكان الأطباء النظر إلى كل حالة ككيان فريد خاص بها. وذلك يعود أساسا لقدرتهم الجديدة على تحليل الرموز الوراثية للمرضى وتحديد الاختلافات الفردية التي تؤثر على استجابتهم للأدوية والمخاطر الصحية المحتملة لديهم.
مثال بسيط لهذا النهج الجديد هو دراسة كيفية استجابة الأفراد المختلفة للعلاجات المضادة للاكتئاب. فقد بينت الدراسات الحديثة أن بعض الأشخاص يحملون نسخاً خاصة من جينات محددة تسمح لهم باستقلاب الدواء بسرعة أكبر مما يؤدي إلى عدم فعالية الدواء بالنسبة إليهم. بينما آخرون قد يكن معرضين لمزيد من الأعراض الجانبية بسبب نفس الدواء بسبب اختلاف تركيب تلك الجينات عندهم.
ليس الاكتئاب الوحيد الذي يمكن علاجه بطريقة شخصية بناءً على الحمض النووي الشخصي؛ فهناك العديد من الحالات الأخرى مثل السرطان والأمراض القلبية وحتى أمراض المناعة الذاتية والتي بدأ العلماء بتطبيق التقنيات الجينية عليها لتحسين نتائج العلاج.
لكن رغم الفوائد الواعدة لهذه الطفرة العلمية، إلا إنها تواجه تحديات كبيرة أيضا. تتعلق معظمها بحماية البيانات الشخصية والحفاظ على سرية المعلومات الجينية لمنع سوء الاستخدام المحتمل لتلك المعلومات حساسة داخل القطاع الصحي والإداري. بالإضافة لذلك، فإن تكلفة عمليات التسلسل الوراثي مرتفعة نوعًا ما حالياً مما يقيد نطاق استخداماتها الحالي حتى وإن اظهرتها البحوث بأن لها تأثير هائل محتمل على الصحة العامة وتمكين علاج أكثر تحديدًا لكل شخص حسب احتياجاته الخاصة مستقبلاً.
وعلى الرغم من ذلك، يبقى توجه المجتمع نحو الاعتماد بشكل متزايد على الطب الشخصي أمر لا بد منه نظرًا لما توفره له من فرص أفضل لإدارة صحته وعمر طويل بصحة جيدة بعيدا عمّا كانت عليه طرق العلاج التقليدية ذات المقاييس الموحدة للسكان كافة بدون مراعاة فروقاتهم البيولوجية وانتمائاتهم الإرشادية الكروموسوميه المختلفه .