- صاحب المنشور: كشاف الأخبار
ملخص النقاش:
تاريخياً، كان الشعر أحد أكثر أشكال الأدب تأثيراً وتقديراً في العالم العربي والإسلامي. منذ العصور الأولى للإسلام، شهدت القصيدة العربية تحولات واسعة بسبب التأثير المزدوج الذي فرضته الثقافة الإسلامية الجديدة على لغة وشكل الشعر التقليدي. وفي المقابل، أثَّرت الثورة الفكرية والنفسية والروحية التي جاء بها الإسلام على شعر العرب عبر موضوعاته ومضامينه وطرائقه وأساليب أدائه. وبالتالي يمكن اعتبار هذه الصلة بين الإسلام والشعر العربي علاقة ديناميكية متشابكة ومتجددة مع الزمن.
في القرون الأولى للدعوة الإسلامية، كانت قصائد الجاهلية هي المعيار الشعري السائد. لكن سرعان ما تطور هذا النوع تحت دفعات جديدة مثل الحماس الديني والقيم الأخلاقية الصارمة لدين جديد يدافع عن العدالة الاجتماعية ويحث على التعاليم الروحية والعقلانية. وقد عكس ذلك التحول طموحات مجتمع مسلم ناشئ يبحث عن هوية ثقافية مشتركة تتوافق مع دينه الجديد مع الحفاظ أيضًا على الإرث القديم للغناء وتمجيد القبيلة والحكمة والملاحم البطولية وغيرها مما يمتلكه التراث الشعري قبل ظهور الإسلام.
استلهم شعراء صدر الإسلام من القرآن الكريم نفسه كمصدر إلهام لمواضيعهم وقوافهم وطرق سرد رواياتهم. كما استوعبت اللغة العربية الفتية الكثير من الكلمات والألفاظ المستعارة من اللغات الأخرى والتي تم تضمينها لاحقًا داخل مجموعة كبيرة ومتنوعة من الموضوعات الشعرية المحملة بالمعاني والدلالات الخفية للمفاهيم الإسلامية الحديثة آنذاك. ومن الأمثلة البارزة لذلك استخدام مصطلحات مثل "الجهاد" و"الإيمان" و"الكفر" و"الفجور".
خلال القرن الثاني للهجرة نحو العام الثامن الميلادي تقريبًا، بدأ تطوّر نوع شعري يسمى بالأمداح النبوية حيث امتلأت القصائد بتمجيد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصفاته وأفعاله ومواقفه التاريخية بالإضافة إلى مديح الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً. ظهر بعد فترة وجيزة شكل آخر شاعره أبو نواس حين زاد التركيز على الجانب الترفيهي والاسترخاء والسخرية في محاولة لتحديث محتوى محتوى أبياتهم بعيدًا عن الجدية السائدة لدى الأسلاف الأوليين لهم رغم اختلاف مذاهبهم العقائدية آنذاك حول ماهيتها. فيما يتعلق بأسلوب الرثاء فقد توسعت دائرة الشخصيات المنشودة برثائِهم ليس فقط رؤساء القبائل أو أفراد العائلة وإنما أيضاً شخصيات بارزة أخرى كالخلفاء الراشدين وما يليهم منهم خلفاء دولة بني أمية ثم الدولة العباسية الواسعة الانتشار وقتئذ كذلك الأمر بالنسبة لأهل العلم والفلاسفة والصوفيون والمعرفيون وكبار رجالات الدين الاسلامي الذين تركوا بصمة واضحة في مجرى الأحداث السياسية والاجتماعية لكل عصر وزمنٍ مختلف بذكريات ومآثر خاصة به يجدر بنا الوقوف عند ذكر بعض نماذجه الغنية بالحكمة والفلسفة الراقية ضمن مساقنا هنا لإعطائها حق قدرها ولعل خير مثال على ذالك بيت الشاعر علي بن جبلة عندما قال :
يا أيُّها الرائدُ المُستَبقِي طَلَبَه مُطمحٌ كالطِّلْعَةِ في رَأسِ الجَدْيِ
إذا ما حَنَّ حنينَ الذِّراعَيْنِ بانَت * غُصنـَـاؤُها فـــوقَ الوادي لازميــن
هذه مجرد نظرة موجزة لما حدث خلال مراحل عديدة تعاقبت عليها بيئة عربيّة تجمعت حول حضارة واحدة ذات جذور إسلامية عميقة عمقت تأثير كتاباتها المكتوبة سواء أكانت دعوية أصيلة أم غير ذلك بل إن العديد منها قد دعا لحمل رسالتها إلى مشارق الأرض ومغاربها لنشر نور الحقائق الدينية أمام جموع البشر بغض النظرعن مواطنيتهم وانتماءاتهم المختلفة!