- صاحب المنشور: حلا العروي
ملخص النقاش:
تغيرت طبيعة الأسواق العمالية بشكل جذري مع تقدّم التكنولوجيا المتسارع خلال العقد الأخير. وقد ظهرت تقنية الذكاء الاصطناعي كمحرك رئيسي لهذا التحول، حيث تؤثر هذه التقنية ليس فقط على مجالات محددة من الصناعة ولكنها تحمل بعضا من الآثار الواسعة التي ستؤثر بطرق متعددة ومختلفة على كل القطاعات الاقتصادية حول العالم. دعونا نستعرض بعض الجوانب الرئيسية لتأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل:
توفير فرص عمل جديدة
يشكل الانتشار الواسع للذكاء الاصطناعي تحديا أمام الوظائف الحالية ولكنه يفتح أيضا أبوابا واسعة أمام وظائف جديدة تمامًا لم تكن موجودة قبل ظهور هذا المجال. فالعمل في تطوير برمجيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والأمان الرقمي سينمو بنسبة كبيرة. كما تدعم آلات التعلم قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة على المنافسة من خلال تقديم أدوات تحليل البيانات وتخصيص المنتجات حسب طلب الزبائن مما يخلق حاجة لعمال ذوي مهارات عالية لإدارة تلك الأنظمة.
خسارة للوظائف القائمة
على الجانب الآخر، هناك مخاطر حقيقية تجاه فقدان ملايين الوظائف بسبب زيادة اعتماد الشركات على الروبوتات وبرامج الذكاء الاصطناعي والتي يمكنها القيام بمهام كانت تحتاج إلى عمالة بشرية ذات تكلفة أعلى وأقل دقة وفي كثير من الأحيان أقل سرعة مقارنة بالأتمتة الحديثة. فعلى سبيل المثال، تُقدر منظمة "استشاري الذكاء الاصطناعي" بأن أكثر من 85 مليون وظيفة قد تختفي بحلول عام 2022 نتيجة لاستخدام الذكاء الاصطناعي الذي سيحل محل العديد من الأعمال المرتبطة بتلقي الطلبات أو المعاملات المالية البسيطة.
إعادة هيكلة المهارات اللازمة للسوق
مع كل تغيير كبير يأتي فرصة للتكيف والتطور والتدريب. ويعتبر الأمر كذلك حاليًا بالنسبة لسوق العمل الحالي؛ فالذكاء الاصطناعي يتطلب مهارات مختلفة عما كان مطلوبًا سابقًا. تتضمن الأمثلة المطالب الجديدة مثل البرمجة والتحليل الإحصائي وعلم البيانات والمعرفة بالشبكات العصبونية وخوارزميات التعلم العميق بالإضافة لأهمية فهم الديناميكيات الاجتماعية والإنسانية لفهم كيفية تطبيق الذكاء الاصطناعي بشكل فعال داخل المجتمعات المختلفة.
التأثير غير المتوازن جغرافيا
تشهد الدول الغربية تبنيًا أسرع للذكاء الاصطناعي مما يؤدي إلى مضاعفة الفجوة بين البلدان المتقدمة اقتصادياً والعالم الثالث فيما يتعلق بإمكانية الحصول على وظائف مستقبلية تعتمد عليها. إذ تشجع حكوماتٍ مثل الولايات المتحدة وألمانيا والصين على الاستثمار الكبير في مجال البحث العلمي الخاص بالتكنولوجيات الناشئة بينما تعاني دول أخرى من عدم توفر التعليم والتدريب الكافي لهذه الوظائف الجديدة والمطلوبات بها. لذلك فإن تحقيق المساواة العالمية والحفاظ على العدالة الاجتماعية يشكل تحديات ملحة يجب مواجهتها الآن كي لا تفاقم آثار عدم المساواة الاقتصادية الموجودة أصلا.
خلال العقود الأخيرة شهدنا نموذجين مختلفين لتغيير السوق العمالي العالمي وذلك بناءً على مدى جدوى التكنولوجيا الجديدة وتحويلها لعائدات مربحة للشركة والمستهلك أيضًا. إن إدراكنا للدور المركزي الذي يلعبُّه الذكاء الاصطناعي اليوم وما يحمله للمستقبل أمر ضروري للحفاظ على سلامتنا واستعدادنا للتغيرات المقبلة سواء أكانت صحية أم مجدية أم لا.