- صاحب المنشور: عبيدة العماري
ملخص النقاش:
في ظل الحداثة المتسارعة التي تشهدها المجتمعات العربية، يبدو مشهد التعليم الجامعي وكأنه يقع تحت ضغط متزايد. هذا الضغط يأتي بسبب الصدام المحتمل بين احتياجات العالم المعاصر واحترام القيم والتراث الثقافي المحلي. ومن المهم دراسة وتقييم هذه الحالة لفهم أفضل للتحديات والفرص المتاحة أمام نظامنا التعليمي الحالي والمستقبلي.
مع تطور الاقتصاد العالمي نحو مزيدٍ من التصنيع المعرفي واعتماد التقنيات الحديثة، أصبح هناك قلق بشأن قدرة المؤسسات الأكاديمية العربية على مواكبة هذه التحولات. فالتكنولوجيا الرقمية تغير طريقة التعلم وتوصيل المعلومات، مما يتطلب إعادة النظر في أساليب التدريس وطرق التأليف والنشر الأكاديمي. كما تؤكد الاتجاهات العالمية الجديدة مثل تعليم الذكاء الاصطناعي والبرامج ذات الصلة بالحوسبة الكمية أهميتها الكبيرة للتنمية العلمية المستقبلية. لكن هل يمكن لهذه الجوانب الناشئة أن تساهم فعلاً في تطوير قدرات الطلاب العرب وتعزيز ثقافتهم الإنسانية؟ أم أنها ستؤدي إلى تبسيط محتوى الدراسة وتفريغها من معناها الأصيل والمعرفي؟
من ناحية أخرى، ينظر البعض بعين الريبة إلى استيعاب الثقافة الغربية داخل حرم جامعاتنا الخاصة بنا. فقد أدى انتشار اللغة الإنجليزية كلغة رئيسية للتعامل العلمي والأدبي إلى خلق شعور لدى بعض الأفراد بأن ذلك يقوض الهوية اللغوية والثقافية للمجتمعات العربية. وبينما يحث العديد من الخبراء على ضرورة فهم وفك شفرة نصوص تراثية باللغات الأصلية لأصحابها -كاللغة اليونانية القديمة مثلاً- فإن استخدام لغة غريبة تمامًا لتقديم المناهج الجامعية يؤدي إلى ضعف ربط طلاب اليوم برابط وثيق بتاريخهم الأدبي والفكري القديم.
وعلى الرغم من كل هذه المخاوف المشروعة، يبقى هدف تحقيق توازن دقيق بين مختلف عناصر "الهوية" أمر حيوي للغاية لصالح مجتمعاتنا وأجيال مستقبلية قادمة. فالجهود المبذولة لتحسين جودة البحث العلمي وإعداد أساس علمي متين مهمة حيوية لبناء اقتصاد معاصر قادرٌ على المنافسة دوليًا؛ ولكن أيضًا لا ينبغي الاستخفاف بقيمة الثقافة الإسلامية والعربية ومكانتها كمصدر إلهام وعبرة لكل جيل جديد. إن بناء نظام أكاديمي متنوع ومتعدد الأوجه يعزز الروابط التاريخية بينما يستعد لاستقبال تقنيات جديدة هو الطريق الأمثل لإنتاج دفعات شبابية موهوبة وقادرة حقًا على المساهمة الفعالة بتشكيل واقع مشرق للأمتين العربية والإسلامية بأسرهما خلال القرن الواحد والعشرين وما بعده بإذن الله تعالى.