- صاحب المنشور: عبد الكريم اليعقوبي
ملخص النقاش:
تشهد العالم اليوم تحولات اقتصادية كبيرة تهدف إلى زيادة الإنتاجية وتوفير المزيد من الفرص الوظيفية وتحسين مستويات المعيشة. لكن هذا التحول نحو التنمية الاقتصادية يأتي مع عواقب بيئية خطيرة تستدعي الاهتمام والتفكير العميق. ففي حين تُعدُّ العمليات الصناعية والدورة التجارية جزءًا حيويًا من نمو المجتمعات البشرية إلا أنها غالبًا ما تتسبب بمشاكل بيئية مثل الاحترار العالمي والتلوث البحري وإزالة الغابات وغيرها مما يهدّد الاستقرار البيئي للأجيال القادمة. لذلك فإن تحقيق التوازن بين هذه المتطلبات الإنسانية وضمان سلامة الطبيعة يعد تحديًا ملحًا أمام الحكومات والشركات والمجتمعات المحلية على حد سواء.
تعتبر الطاقة أحد أكبر المساهمين في الضرر البيئي الناجم عن النشاط الاقتصادي. إن المصانع التي تعمل بالفحم والنفط والمعادن الثقيلة تساهم بشكل كبير في انبعاث الغازات الدفيئة والتي تؤدي بدورها لتغير المناخ. وفي الوقت ذاته يلعب استخدام الوقود الأحفوري دور أساسي في توليد الكهرباء اللازمة لتشغيل معظم القطاعات الاقتصادية حول العالم. هنا تكمن أهمية البحث والاستثمار في مصادر طاقة نظيفة ومتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح للتقليل من الاعتماد على الهيدروكربونات التقليدية وتقليص الانبعاثات الكربونية المرتبطة بها.
بالإضافة لطاقة، تلعب الزراعة والصناعات الغذائية دوراً محورياً أيضاً في التأثير البيئي. فعلى الرغم من كونها مورد هام للحفاظ على حياة الناس الا إنها قد تكون لها آثار مدمرة على البيئة بسبب طرق زراعتها واستخدام المبيدات الحشرية والأسمدة الكيميائية بكثرة بالإضافة لإزالة الغابات لتحويل الأرض لأغراض زراعية أخرى. وللتغلب على ذلك ينبغي تشجيع الأنظمة الزراعية المستدامة والتي تراعي حقوق الإنسان والكائنات الأخرى ضمن نظام بيئي متوازن حيث يتمتع كل كائن بحقه في الحياة بدون انتهاكات لحقوق الآخرين.
وفي ظل الثورة الرقمية المتسارعة، بات لقطاع تكنولوجيا المعلومات تأثير واضح أيضًا فيما يتعلق بالأثر البيئي. تتميز هذه الصناعة باستهلاك كبير للموارد الأولية أثناء تصنيع أجهزتها الإلكترونية وكذلك خلال عمليات التشغيل والحفظ الخاصة بأجهزة الكمبيوتر الخادم والخوادم ومراكز البيانات المختلفة. ويقدر حجم نفايات الإلكترونيات سنوياً بنحو خمسين مليون طن وهو رقم مرشح للزيادة مستقبلًا إذا لم يتم اتخاذ إجراءات وقائية مناسبة. ومن الحلول المقترحة هنا تعزيز ثقافة إعادة التدوير وتعزيز استراتيجيات التصميم الأخضر للمنتجات ذات الطابع التكنولوجي وكذلك وضع سياسات تنظيمية رادعة لمن يحاولون التخلص بطريقة غير مسؤولة من مخلفاتها.
ختاماً، يبقى الطريق نحو بلوغ مجتمع أكثر تطورا وأقل ضرراً تجاه محيطه الطبيعي محفوف بالمخاطر ولكنه قابل للتحقيق عبر اتباع نهج شامل يشمل جميع الجوانب الفردية والجماعية داخل أي بلد أو منطقة جغرافية معينة. ويتطلب الأمر دراسة معمقة لما لديها حالياً وما يمكن فعلها لاحقا بهدف خلق مسار طموح يتماشى مع بقاء الإنسان وسلامة كوكبنا الأزرق. وبذلك نضمن مستقبلاً أفضل لكل