في موضوع تناقض الحديثين المتعلقين بدعاء الشخص وتغيير مصيره، يجب توضيح عدة نقاط مهمة. أولاً، الدعاء جزء أساسي ومتطلب رئيسي في الدين الإسلامي لإنجاز الأعمال والحصول على الرغبات. كما أثبت القرآن الكريم والسنة النبوية أهمية الدعاء في حياة المسلم. فقد ورد في الحديث القدسي: "وعزتي وجلالي لأجيب دعوة المظلوم ولو بعد حين" (رواه مسلم). بالإضافة إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "لن يرد القدر إلا الدعاء".
ومع ذلك، فإن الدعاء نفسه يعد ضمن مشيئة الله وقدره وفق تعليمات علماء الدين المسلمين. يقول أحد العلماء المرموقين: "كل داعٍ شافع دعا الله سبحانه وتعالى، وشفع: فلا يكون دعاؤه وشفاعته إلا بقضاء الله وقدره ومشيئته." وبالتالي، ينبغي فهم أن تأثير الدعاء يتضح خلال عملية تحقيق المشيئة الإلهية وليس خارجًا عنها.
بالانتقال إلى الحديث الثاني حول تزويج رجل معين لامرأة محددة بغض النظر عن تدخل جبريل وميكائيل وإسرافيل وحملة العرش، يظهر ضعف سند الرواية عند تحليلها علمياً. حيث تعتبر سلسلة التواتر غير موثوق بها بسبب وجود شخصيات مجهولة المصدر وضعيفة الكفاءة داخل السلسلة المتصلة بالحديث. بناءً على هذا التحليل، يتم تصنيف هذا الحديث باعتباره ضعيف وغير قابل للاستشهاد به ضد الأدلة الأقوى والأكثر قبولاً لدى علماء الحديث. وهذا يؤكد مجدداً دور الدعاء الكبير رغم أنه يعمل ضمن حدود القدر المكتوب لكل فرد حسب رأيهم.
وعليه، فالرسالة الرئيسية هنا هي التأكيد على قدسية وفوائد الدعاء كممارسة يومية للمسلمين ولكن دائماً تحت مظلة تقدير وصنع الله الأعلى للأحداث المستقبلية مهما تعددت الطرق والتوجهات البشرية نحو تحقيق الأمنيات المختلفة سواء كانت مرتبطة بالحياة الدينية الشخصية أو الاجتماعية كالزواج مثلاً. لذلك يستحق استخلاص الفائدة من إحدى أقوى أدوات التواصل الإنسانية مع الذات الخالق -وهو أنه حتى عندما تبدو الحياة عديمة الحلول الظاهرية باتباع طرق بشرية تقليدية، إلا أنها بالموازاة تبقى مفتوحة أمام باب مفتوح للتضرع والصلاة بما سيقرره العزيز الوهاب بالفعل النهائي للحكم بين خلقه بدون استثناء!
