- صاحب المنشور: كشاف الأخبار
ملخص النقاش:
في مجتمع معاصر تشهد فيه العلوم تطورًا وتقدّما غير مسبوق، يثار نقاش حاد حول علاقتها بالدين. فهل يُنظر إلى العلم والدين باعتبارهما نسبيّتين متكاملتين يمكن لهما أن يكمل كل منهما الآخر ويخدم الهدف النهائي للبشرية وهو الإتقان والمعرفة، أم أن هناك تنافرًا بينهما حيث يتعارضان ويتصادمان ويتباعدان شيئا فشيئا حتى يصل الأمر حد المواجهة والتناقض الصريح؟ هذا هو جوهر المناظرة التي سنستعرض جوانب منها نظرياً وميدانيا لمحاولة فهم علاقتهما الحقيقية ومدى ارتباطهما أو افتراقهما.
يُجادل الكثير بأن الدين والعلم أمران مكملان بطبيعتهما إذ إن كلاهما يسعى لفهم العالم وما وراءه. فالعلوم تهتم بتفسير الظواهر الطبيعية باستخدام المنطق والاستدلال التجريبي بينما يستند الدين على الوحي والنقل الروحي وقدسهما، مما يعطي لكل طرف وجهات نظر مختلفة ولكن مستكمِلة أيضًا. فعلى سبيل المثال، يمكن اعتبار الاكتشافات العلمية كتأييد لبعض الحقائق المتوارثة دينيًا مثل خلق الله للإنسان واستخدام الدليل القاطع الذي توفره العلوم الحديثة لتأكيد ذلك. وبالتالي فإن الجمع بين هذين الرؤيتين يجب أن يؤدي لحصول الإنسان على صورة كاملة وأكثر ثرائًا للمجتمع الإنساني وكافة ظواهره المختلفة.
غير أنه يوجد وجه آخر للقصة فهو يشكك بهذه الفكرة ويلقي الضوء على وجود تعارض محتمل بين العلم والدين وذلك بسبب اختلاف نطاقاتهما وعلاقة كل منهما بصنع القرار. فبينما تعتمد المقاييس العلمية على البيانات المحسوسة والملاحظات البحتة التي تدعمها تجارب علمية دقيقة للغاية، يتم تحديد المصالح الأخلاقية والقيم الدينية بناءً على اعتقادات ذات طابع ميتافيزيقي وخارج مجال القدرة البشرية على التحقق منه بدقة مطلقة. وهنا تكمن المشكلة الأساسية – فقد يحاول البعض تفسير بعض الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية تفسيرات تخالف المعطيات العلمية المكتسبة حديثًا والتي لم تكن معروفة وقت نزول تلك التعاليم. وهذا قد ينتج عنه مواقف مثيرة لاستياء العديد ممن يرغبون رؤية توافق كامل دائم بين الاثنين.
ومن الممكن أيضا مقاربة هذه المسألة برؤية أكثر انفتاحا وفلسفية عميقة وهي النظر للعلم باعتباره ترجمة مدروسة للنظام العالمي كما رآه المبادرون المؤسسون للدين عبر التاريخ منذ بداية الخليقة ولغاية اليوم. لذلك ربما يمكن وصف العلاقة المثالية بين هاتين المرتبتين بأنها "التواصل" وليس مجرد الانفصال المطلق أو التداخل الكامل لأن كل واحد منهم يأتي بنقاط قوة خاصة به ولا يمكن الاستغناء عنها لإتمام الكشف الكامل للأشياء المحيطة بنا. وفي نهاية المطاف، سواء اتخذت الطريقة الأولى (الدفاع عن التفاهم) أو الثانية (الأخذ بعين الاعتبار إمكانية الاختلاف)، فسوف تبقى هذه قضية شائكة وملحة تتطلب المزيد من البحث والفهم المستمر لعلاقتها بذواتنا وعالمنا المحيط بنا.